تحول الثقافة إلى ممر سهل للوجاهة الاجتماعية
الاحد / 13 / جمادى الآخرة / 1438 هـ - 20:00 - الاحد 12 مارس 2017 20:00
الإقبال الجماهيري على معارض الكتب ليس ظاهرة متأخرة، وإنما له أكثر من عقدين، لكن في كل سنة نجد أن هذا الإقبال يتزايد ويصاحبه اهتمام خاص في بعض المجالات، مع حضور مكثف من الجمهور العادي. يدرك هذا الفرق أصحاب دور النشر العربية، مع معدلات الشراء العالية. عند أي مقارنة بين دول عربية وخليجية قبل التورط باستنتاجات غير دقيقة، يجب التنبه إلى أن معرض الرياض يتميز عن غيره بوجود كثافة سكانية عالية في المنطقة تصل لأكثر من ثمانية ملايين مع قدرة شرائية مرتفعة، وسهولة الوصول إلى المدينة مع انتشار وسائل التعريف بالحدث بمواقع التواصل، ولهذا نجد الازدحام المسائي بمعرض الرياض تصعب معه الحركة والاطلاع. ولأن المعرض في السنوات الأخيرة أصبح مثل الأسواق متاحا للجميع نساء ورجالا، فقد أصبحت زيارته نوعا من الفرجة والمتعة، ومن الخطأ المبالغة في تفسيره بأنه شغف ثقافي فقط دون استحضار العوامل الأخرى الاجتماعية والترفيهية.
الظاهرة الأخرى هي وجود موجة عالية من المؤلفين والكتاب في كل المجالات الأدبية والفكرية والتاريخية والدينية وتطوير الذات، ودخول أسماء جديدة من مختلف الأعمار، وهي ظاهرة تزامنت مع البروز القوي لدور النشر السعودية، وأصبح الكثير منها يجد في هذا النشر فرصة للوصول إلى جمهور واسع من القراء بأي اهتمام. ويبدو أن ظاهرة التقليد التي يختلط فيها الأصيل في المجال مع الطارئ عليه، إحدى سمات مجتمعنا السعودي، فالتقليد والمحاكاة في المجتمع عالية جدا، وهذا ما نجده في مناشط تجارية متنوعة وغيرها، فبمجرد نجاح بعض الأشخاص في مجال ستلاحظ بعد وقت قصير دخول أعداد كبيرة قادمة من مجالات أخرى. هذه الظاهرة وإن كانت تبدو شكليا بأنها نوع من الحيوية في المجتمع، لكن في حقيقتها هي ضعف في استقلالية الفرد، وسهولة انجرافه مع أي موجه، وشيوع عقلية الربح السريع منذ زمن الطفرة، ومع ذلك فإن كل مجال قادر على تصحيح نفسه تلقائيا دون ضريبة اجتماعية، إلا المجال الثقافي والإعلامي فإن له آثارا سلبية على الوعي في المجتمع، حيث تغطي المواد الثقافية الرديئة بعناوينها وأغلفتها البراقة ما هو أهم لوعي القارئ وبناء الأجيال. في المجال التجاري وغيره يخرج المتطفلون سريعا من السوق لأن الخسارة تنتظرهم في نهاية الأمر، ووجود حماية للمستهلك، لكن في المجال الثقافي لا يخرج المتطفل إلا بعد تخريب وتعطيل للوعي يبقى أثره طويلا، وهذا ما حدث مثلا في الكتاب الإسلامي.
نشر الكتاب اليوم أصبح أسهل من أي عصر مضى، ومن لديه بعض المال و»شوية» اطلاع يمكنه إنتاج كتب سريعة في كل شهر بعدة أساليب، وعليك أن تتصور مثلا في مجال الرواية مدى الضرر على جيل من الشباب المهتم بالأدب ولديه شيء من الموهبة الإبداعية عندما يقدم عمله الأول، ثم تزاحمه مئات العناوين من روايات المتطفلين فيشعر القارئ بالتيه بين هذه الأسماء الجديدة غير المعروفة وصعوبة التمييز بين من هو متطفل ومن هو أصيل في المجال، أما بالنسبة للأسماء التي حفرت اسمها فقد جاءت من زمن سبق كثيرا أو قليلا هذه الموجة، وأصبح لاسمها اعتبار خاص. وما حدث في الرواية يحدث أيضا على مستويات ومجالات ثقافية أخرى، مع كثرة دور النشر المحلية وتوسعها بطباعة الكتب لمؤلفات لا تستحق، وللأسف لأنه تطغى كثير من المجاملات والحسابات الشخصية في الوسط الثقافي والصحفي فإن المشكلة لا تقف عند السكوت المتبادل، وإنما المديح وإجراء الحوارات عن أعمال متواضعة.
ربما تسمع الكثير هذه الأيام يقول لك «خليهم يألفوا وش يضرك؟»، الفكرة الأصلية في هذا المقال لا علاقة لها بحكاية «نخليهم ولا ما نخليهم»، فكل شخص حر بما يفعل، لكن لو وجد هؤلاء في المجال الثقافي من ينتقدهم ويسخر من أي إنتاج رديء لتحسن إنتاجهم، وفكروا كثيرا قبل الجرأة على كثير من المجالات، خاصة أن بعض دور النشر لا تحترم اسمها فتصدر كتبا لا تتناسب مع مجمل ما تقدمه في مجالها. وإذا أردنا أن يحتفظ المجال الثقافي بشيء من الأهلية، والحد من المزاحمات بالعناوين ذات المحتوى الرديء، فإن الساحة بحاجة إلى مشاريع نقدية موازية تلاحق مثل هذه الأعمال، وتبين حقيقتها للقارئ، قبل كل معرض بدون مجاملات، لشدة ضرره على القارئ الجديد الذي لا يستطيع التمييز مبكرا بين جودة الأعمال، ولهذا تكمن ضرورة النقد لحماية المستهلك الثقافي، فبدون شيوع نقد جريء من المثقفين والكتاب وأصحاب الخبرة فإن المجال الثقافي سيصبح ممرا سهلا مثل الإعلام وغيره للبحث عن وجاهة سياسية ودينية واجتماعية!
alkhedr.a@makkahnp.com