تفاعل

امرأة بأمة.. القاضية الأمريكية آن دونالي!

في أعقاب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أصدر عددا من «الأوامر الرئاسية»؛ وهكذا «أوامر» عادة لا تصدر عن الرئيس إلا في ظروف طارئة وبما يمس السلامة والأمن القومي، وفي فترة غياب البرلمان في إجازة ونحوها.

وكان ضمن تلك «الأوامر» قرار يمنع رعايا عدد من الدول العربية والإسلامية من الدخول لأمريكا؛ وكانت تبريرات الرئيس وراء أوامره هذه أن هناك اعتبارا «أمنيا يمس الوطن الأمريكي».

ولكن قامت جماعات حقوقية في المجتمع المدني برفع قضية مضادة أمام القاضية الفيدرالية (آن دونالي) فأصدرت حكما ضد قرار الرئيس فطعنت في دستوريته، وأبطلت مفعول (الأمر الرئاسي) الذي كان للتو قد أصدره الرئيس.. فتوقف فورا تنفيذ ذلك «الأمر»!

كان هذا مثالا لسمة من سمات منظومة الحكم في أمريكا المبني على توازنات السلطة (المثولثة) بين أجنحة حكم البلاد، وعلى الفصل بينها: الرئاسيـة/ السلطة التنفيذية؛ والبرلمانية/ السلطة التشريعية؛ والمـحاكـم/ السلطة القضائية.

ففي النظام الأمريكي للرئيس الحق كل الحق في إدارة الجناح «التنفيذي»؛ وله فيه القيادة والريادة في تصريف أمور البلاد، وذلك في مجال واسع من الصلاحيات في تعاملات الشؤون الخارجية من دبلوماسية وعسكرية وتعاملات تفاوضية.

لكن على الرئيس أن يحصل على موافقة نواب الشعب (السلطة التشريعية/ البرلمان) عن كل دولار يصرف هناك؛ بل وإنهم يقرون معاش فخامة الرئيس نفسه. ومن الطريف أنه لا يجوز للرئيس أن يحتفظ - مثلا - بأي هدية تقدم إليه من الخارج وتتعدى قيمتها المئة دولار!

كما وأنه من المطلوب استحصال الرئيس على موافقة البرلمان على كل التعيينات الفيدرالية. ولا يمكنه إعلان الحرب أو (المضي فيها) دون استئذان البرلمان.

في المقابل، فللرئيس (حق اقتراح/ترشيح) تعيين القضاة الفيدراليين، وقضاة المحكمة العليا؛ لكن لكي يتثبت ذلك الترشيح فيتحول إلى تعيين فإن موافقة أعضاء البرلمان ضرورية، وذلك بعد مساءلات متعمقة للمترشحين أمام اللجان البرلمانية المتخصصة.

وغني عن القول إن للبرلمان - حصرا - الموافقة على الميزانية العامة الفيدرالية، لصرف أي دولار لتشغيل الدولة داخليا وخارجيا؛ وإن البرلمان هو المصدر الأساس للسلطات العامة.

ولكن، وفي المقابل، وفيما (إذا) حدث أن أصدر البرلمان «قانونا» ثم ترافعت ولاية من الولايات أو مدينة.. بل أي فرد - أو أي جهة في «المجتمع المدني» - وأبدت تحفظها على ذلك «القرار» أو القانون البرلماني.. فإن لأي من هؤلاء الترافع لاستصدار قرار دستوري من السلطة القضائية بمختلف مستوياتها حتى تصل لمنصة (المحكمة العليا) في البلاد؛ فإن صدر من المحكمة رأي قانوني أو تفسير دستوري معترض، فإن قرار البرلمان يصبح لاغيا فورا!

فهذا الجناح الثالث، السلطة القضائية، وكما يتجلى هنا في حكم القاضية «آن دونالي» إزاء أمر الرئيس دونالد ترمب التنفيذي الرئاسي، فإن للمحاكم وحدها (تفسير) القوانين، والفصل في النزاعات القومية، سواء كان فيما بين الولايات، أو بين ولاية ما والحكومة الفيدرالية؛ أو حتى بين الفرد والدولة.

وفي حكم القاضية (آن دونالي) ضد الرئيس ترمب وإبطالها «أمره التنفيذي» تجلت عظمة مسألة «الفصل بين السلطات» وفكرة التوازن بينها. فلقد رأت هذه القاضية أن حرص الرئيس على حماية الأمن الوطني قد جاوز المدى وبلغ حد التحيـز ضد جنسيات معينة. فجاء حكمها ضده.. وبذا تم إيقاف وإبطال «الأمر التنفيذي/الرئاسي»!

وهنا، أسقط في يد الرئيس، فلم يجد بدا من الانصياع لحكم القضاء رغم خيبة أمله وامتعاضه الشديدين؛ ولكنه لم يفكر في (استئناف) حكم القاضية إلى المحكمة العليا، وذلك لعلم مستشاريه القانونيين عن عدم جدوى ذلك، بل ولإحساسهم بحتمية صدور (حكم مؤكد)!

ولحنقه إزاء ذلك الحكم، فلقد فكر في إصدار «أمر» جديد يحقق مستوى من الشدة في التدقيق في طلبات الهجرة، ولكن مع تحاشي الوقوع في مأزق حقوقي أو في سمة عنصرية موجهة ضد رعايا دول بعينها.

فالسلطة القضائية الأمريكية تحرس الحقوق، ومنها حق الإنسان في «التعبير» وحقه في «الاختيار». وعند الاختلاف في تفسير أي مادة قانونية أو حقوقية، وعند تماهي كفتي الميزان بين حق الفرد وحق الدولة مثلا، فإن عادة المحاكم بمستوياتها المختلفة أنها تـميل الكفة لصالح حق المواطن (الفرد)؛ أما إذا كانت المسألة متعلقة بخاصة بحقه في «التعبير»، فإن ذلك سيكون في رأس القائمة وفي صدر الموضوع! وهو مضمون في أول المواد العشر الأولى بالدستور، في «لائحة الحقوق»:

! Bill of Rights