معرفة

أسئلة الكتابة الخمسة: فهد الفهد

كتب متيقنا بأنه يتنازل عن عدد كبير من القراء الذين لن يلائمهم ما يكتبه، بهذا الوعي التام والمخاطرة اللذيذة يتسلل إلى مكتبته للكتابة بعد أن يبسط الليل سكونه، لم ينتظر هوسه بالكتابة أن تجف ثيابه بعد أن أحال السماء إلى محيط مقلوب في روايته الأولى 'هدام'، 'فهد الفهد' الذي انطلق مختلفا بوضوح نحو عالم الرواية، يجيب: ماذا تكتب؟ أكتب الرواية، وربما أجرب القصة القصيرة لاحقا، هذا هو الشكل، أما المضمون فيصعب القبض عليه، سيطرت على كتابي الأول الكارثة بتمدداتها ومآلاتها، وما زالت ترافقني، ربما لكتب قادمة، أظن أن الكاتب يكتب عن هواجسه ومخاوفه، يستخدم الرواية أو القصة كحصان للرحلة التي لا يدري أين ستأخذه ولا ما الذي ستكشفه له أو عنه. لماذا تكتب؟ لأني أستمتع بذلك كثيرا، حالما فرغت من كتابي الأول بكل تعبه وهمومه، ظننت أني سآخذ إجازة طويلة أرتاح فيها من الكلمات الهائمة وصفحة الوورد المترقبة، ولكن خلال شهر تال سيطرت علي فكرة جديدة، وصارت هوسا لا ينفك، أقلق عملي وقراءاتي ونزهاتي ومنامي، حتى قررت نفض كسلي والعودة للكتابة. لمن تكتب؟ لقارئ يشبهني، يمكنه أن يفكك ما أضمرته، ويستكشف أسلوبي وأفكاري، الكتابة عملية تنازل طويلة، ومن ضمن التنازلات التي يعمد إليها الكاتب التنازل عن شريحة واسعة من القراء يعرف جيدا أن الكتاب لن يتوافق مع ذائقتها ولكنه لا يهتم، لأنه في الاختيار بين كتابة الكتاب كما يريده وكتابته كما يكتب عادة هوة لا يجب تجسيرها في كل مرة. متى تكتب؟ ليلا، هذا هو الوقت المتاح، عندما تهدأ الحياة وينام المنزل، يمكنني حينها الانصراف مع كوب شاي إلى مكتبتي مختلسا سويعات قليلة لا يعكر صفوها أحد ما خلا سيارة مسرعة قرر قائدها التعامل مع المطبات في آخر لحظة، أو بضعة قطط استوطنت باحة خلفية ولم تستطع حل خلافاتها منذ أزمنة. كيف تكتب؟ مدججا بمخططات وجداول تظهر لي تحركات كل بطل وأين سيلتقي أو سيفترق مع بقية الأبطال، وكيف ستؤثر قرارات كل بطل في مصائر البقية، لهذا أعمل على ثلاثة ملفات في ذات الوقت، ملف للكتابة وآخر للتخطيط وثالث للشخصيات، تفاصيلها وتطورها، وقد أضفت أخيرا ملفا رابعا ألقي فيه بالسطور التي فقدت مقومات وجودها ولفظها الكتاب.