الرأي

احترام الموت حب للحياة!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
لدي الكثير من القلق حول الموت وما قبله وما بعده. أفكر كثيرا كيف سيتعامل الآخرون مع خبر وفاتي. وبالطبع فإني لا أعني بالآخرين جميع سكان كوكب الأرض الكرام، ولا حتى الزملاء المواطنين، ولا حتى جماهير نادي الاتفاق المهددة بالانقراض، ولكني أعني الآخرين القريبين مني والذين يعرفونني والذين أتوقع أن خبر رحيلي عن هذه الحياة سيكون مؤثرا وحزينا بالنسبة لهم مع أني لا أعرف الأسباب التي قد تدفعهم لذلك. لكن الفكرة المرعبة التي تشغلني هذه الأيام هي تصرفات الناس في المقبرة وهم يوارونني الثرى، صحيح أني حينها لن أكون مشغولا بنقد تصرفاتهم الغريبة، لكن هذه التصرفات تستفزني الآن. لم يعد للموت هيبة ووقار كما كان. كثيرون يحضرون للمقابر لدفن الراحلين كما يذهبون لمشاهدة مباراة أو كما يذهبون للصناعية. حين تكون في المقبرة للمشاركة في دفن إنسان كف عن الوجود، وأنهى رحلة الحياة، ستجد أن عدد الذين يتبادلون الطرائف أكثر من الذين ذهبوا لكي يواسوا أو يتأملوا أو يتدبروا. وستجد المشيعين مشغولين بالتقاط الصور والسنابات، لكي يشاركوا هذه الصور مع بقية الأحياء ويتحدثوا كثيرا في سناباتهم أو في أي وسائل أخرى عن حرمة الموت التي كانوا هم أول منتهكيها. صحيح أن الحزن كائن جدير بالاحترام ولا يحق لأحد أن يخدش «جماله» بادعائه، لكن لا أحد يطلب منك أن تكون حزينا من أجل الآخرين، كل ما في الأمر أن تحاول ألا تكون وقحا، أن تؤجل حديثك عن حكم مباراة الأمس وعن سعر العقار إلى أن تغادر المكان، والسنابات والابتسامات في المقابر قد تكون مبررة ولكنها قبيحة. مبررة لأن الموت أصبح شيئا اعتياديا وخبرا مألوفا لا يثير الانتباه، وقبيحة لأنها قبيحة. واحترام هيبة الموت ليس ضد حب الحياة، بل إن حب الحياة هو السبب الذي يجعل للموت هيبة ووقارا. وعلى أي حال.. فالذين لا يفكرون في لحظة الرحيل لا يعرفون قيمة الوجود من الأساس، وحياتهم مجرد استهلاك مكرر للأيام بشكل عبثي. لا أتصور أن إنسانا قد يحب شيئا أو شخصا أو يحب الحياة نفسها دون أن يقلقه الرحيل.