العقل العربي بلا قائد!
الثلاثاء / 1 / جمادى الآخرة / 1438 هـ - 19:00 - الثلاثاء 28 فبراير 2017 19:00
العقل هو أداة الإدراك العظمى التي ميز الله بها البشر، وهو أقوى أداة ملكها الكائن الحي، جعلت (الإنسان) أقوى المخلوقات جميعا، استطاع به أن يسيطر على الكواسر والضواري، وأن يروض الجوامح، والأهم أن يفقه بعض أسرار الطبيعة والوجود، ولا يزال يسعى في اكتشاف وتفسير كل شيء.
منذ وجد الإنسان على الأرض وهو ينظر ويتأمل ويستنتج، وحين يقف عقله حائرا أمام لغز لا يستطيع حله يلجأ إلى (التأول الخرافي)، وهذا اللجوء ضعف واستسلام كالبحث عن المخدر، لذلك نشأت الأساطير والخرافات التفسيرية التي من أهم أهدافها (إقناع) العقل بأنه وجد حلا للغز، فيهدأ وتستمر الحياة، ما جعل الإنسانية تتأخر عن اكتشاف الكثير من أسرار الوجود إلى وقت قريب.
لم يستطع الإنسان الاقتراب من حلحلة بعض ألغاز الطبيعة والوجود إلا حين تخلى عن (مخدرات) العقل التي صنعتها الأساطير والخرافات، وتسلح بالمنهج العلمي الجريء، فسبر بعقله كل شيء، حتى أدهشه هو شخصيا أنه يملك كل هذه القدرات العجيبة، فإن تلفتنا اليوم فيما استطاع الإنسان الحديث فهمه واكتشافه وتحقيقه، لشعرنا بالدهشة، لكنها ليست كدهشة القدماء، لو بعثهم الله ورأوا ما حققه إنسان اليوم.
لا تمايز بين بشر اليوم إلا بقدر استخدام (قوة العقل الجبارة)، فلم تعد حتى القوى العسكرية ذات شأن أمام جبروت العقل، وقدراته الهائلة على اختراق أعتى البنى الفكرية وأشدها تماسكا، فالأمم الغارقة في الروحية لا تزال تقبع في ذيل القائمة، لا وجود لها على خارطة الفعل العالمي إلا (مستهلكا أو تابعا)، وهنا تكمن خطورة العقل المهيمن، حين يجنح إلى التفرد بالهيمنة وإخضاع العقول الأخرى لسلطانه، وهو إرث إنساني متخلف لم يتخلص منه العقل الحديث بعد.
لنفكر نحن أبناء الشرق الأوسط (المشتعل) منذ أمد بعيد، ماذا قدمت عقولنا (لنا) وللإنسانية، لماذا عقولنا مأسورة في قيد الماضي، والروحانيات، ومحاولات الهيمنة على بعضنا البعض، ومحاولة فرض منطقنا على كل أحد؟ لماذا حتى مثقفينا ومفكرينا لا يملكون حلا؟ ويحركون عقولهم في مقصورة ضبابية لا تنتج للبشرية شيئا؟ لماذا نستسلم لمنطق التبعية، ولا نفكر في حلول مشاكلنا، بل نتحلق حول مائدة (المشكلة/ القضية) وقد قيدنا عقولنا بقيد (انتظار العقل الغربي)؟ في استسلام لهيمنة ذلك العقل الذي سبقنا بخطوات فقط.
لو تخلص العقل العربي، من تبعيتين لأضاء، الأولى تبعية التشبث بالماضي، والثانية تبعية الافتتان بالعقل الغربي، فمن يعلق الجرس لهذا العقل ليخرج من قوقعة التبعية، ويرفرف إلى جوار العقول العالمية، من ذلك السياسي وأقول (السياسي)؛ لأنه أقوى الموجودين، وباستطاعته أن يكون (مثقفا ومفكرا) محنكا يفلج حلقات هذه القوقعة ويقود العقل العربي، فلن يقوى على سياط رجل الدين المتشبث بالماضي غيره، ولن يقوى على المثقف المفتون بالعقل الغربي سواه، فالخوف وحده (الخوف) هو المسؤول عمّا نحن فيه اليوم، فسياجات وقيود خلفها أضعافها تشغل العقل عما يروم، لأنه انشغل بتخطيها، فإما أن تحرقه، وإما أن يفقد قواه في نهاية التخطي.
alhelali.a@makkahnp.com