معرفة

العناق مسكن للأمراض النفسية.. تخيل!

بينت الدراسات الحديثة في إنجلترا أرقاما كارثية لأعداد من الأطفال يعانون من مشاكل نفسية وعقلية، نشر بعدها موقع 'The Guardian' مقالة حول تأثيرات القلق والتوتر والاكتئاب على الناس في جميع أنحاء العالم. هناك كثير من الأسباب التي تجعل الأشخاص معرضين لهذه الأمراض النفسية والعقلية، ويكمن السبب في طبيعة العقل البشرية التي تستجيب وتتأثر بالعوامل الخارجية. ويلعب الاقتصاد والتكنولوجيا دورا رئيسا في ذلك، بالإضافة إلى أيديولوجية الفرد، أي معتقداته وأفكاره وسلوكياته. إن سعادة الفرد تعتمد بشكل كبير على حياة الآخرين، وعلى المصلحة الذاتية، والمنافسة فيما بين الأفراد. ومواقع التواصل الاجتماعي مثلا، تقربنا من بعضنا ولكنها تفرقنا أيضا، وقد يسمح لنا ذلك بتحديد المكانة الاجتماعية لأنفسنا مقارنة بالآخرين من خلال عدد المتابعين والإعجابات. ويقع اللوم في بعض الأحيان على الظروف الاقتصادية لبعض الدول، ولكن بعيدا عن البحث عن حلول لهذه العزلة، فإن وجود ذلك يعزز من المقارنة الاجتماعية لدرجة أننا نصبح فريسة لأنفسنا. تشير إحدى الدراسات في بريطانيا إلى أن واحدة من بين أربع نساء بين الـ16 والـ24 عاما اتجهت لإيذاء نفسها، وواحدة من بين ثماني نساء تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، ويؤثر القلق والاكتئاب والرهاب أو اضطراب الوسواس القهري على 26% من النساء من هذه الفئة العمرية. قد لا يلاحظ كثير منا الوضع المتفاقم الذي نعيشه بسبب مثل هذه الأمراض، لكن علماء النفس يرونها بشكل واضح. والعلاج النفسي لمثل هذه الأمراض هو التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. يفسر هذا تساؤلنا 'لماذا نعانق أطفالنا عندما يجرحون أنفسهم أو يتعرضون للشعور بالحزن؟' فالعاطفة الوجدانية تعمل كمسكن قوي للأمراض النفسية، ولعل هذا يفسر أيضا الارتباط بين العزلة الاجتماعية والإدمان على المخدرات. خلال الشهر الماضي لخصت مجلة 'علم وظائف الأعضاء والسلوك' تجارب عدة أجرتها على الحيوانات، كانت من ضمن هذه التجارب تجربة أجريت على القرود، والتي تتضمن خيارين متاحين للقرود: إما الشعور بالألم الجسدي، أو بالعزلة. وقد حرمت القرود من الأكل والتواصل لمدة تجاوزت 22 ساعة في التجربة، وعند انتهاء الوقت عرض عليها الطعام والتواصل مع بقية القردة، واختارت القرود التواصل قبل الطعام. هذه التجربة أيضا تفسر 'كيف أن الأطفال الذين يعانون من الإهمال العاطفي هم أكثر عرضة للأمراض النفسية من الأطفال المعنفين جسديا'، ولذلك يعد الحبس الانفرادي أشد أنواع التعذيب النفسي. ليس من المفاجئ القول إن الأمراض النفسية مثل: القلق والاكتئاب والأرق والخوف مرتبطة بالشعور بالعزلة، المفاجئ أن مثل هذه الأمراض النفسية يمكن أن تتفاقم لتتحول إلى أمراض جسدية، مثل: أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والخرف، وأمراض ارتفاع ضغط الدم، وحتى أمراض نقص المناعة. الوحدة أو العزلة لها تأثيرات سلبية تعادل مضار تدخين 15 سيجارة باليوم، ويرجح أنها تؤدي إلى رفع نسبة الموت المفاجئ بنسبة 26%، وذلك بسبب ارتفاع معدل إنتاج هرمون الكورتيزون، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالتوتر، مما يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي للإنسان. وتشير الدراسات التي أجريت على كل من الحيوانات والبشر إلى أن العزلة هي السبب في الإكثار من تناول الطعام، حيث تقلل العزلة من سيطرة ومقاومة الإنسان على رغباته، فتؤدي إلى السمنة في كثير من الأحيان. فلماذا نتشارك في هذا الدمار الاجتماعي، ونسمح للتقنية بعزل المجتمع وتفككه؟ إننا في سبيل محاربة العزلة نحتاج إلى المشاركة وتغيير نظرة العالم بأكمله.