معرفة

لماذا التفكير الإيجابي لن يجعلك سعيدا؟

الإيجابية لا تقتصر على أن تكون الابتسامة حاضرة، بل أن تكون إيجابيا يعني أن تواجه نفسك، وأن تكون فاعلا، وتحدث تغيرا حقيقيا في حياتك، وليس فقط فكرة ترددها وتتأملها وستظن أنك ستعيش سعيدا. الجميع قد يشعرون من فترة لأخرى بالفرح وقد يشعرون بالغضب، وأغلبنا تعلمنا منذ طفولتنا أن التحكم في هذه المشاعر يتم عن طريق التفكير الإيجابي، وهذا ما خالفته 'سوزن ديفيد' في لقائها الذي تحدثت فيه عن هذه الفكرة بالتفصيل. 'سوزن ديفيد' أستاذ كلية الطب بجامعة هارفارد وعلم النفس، تشرح في كتابها الجديد: Emotional Agility: Get Unstuck, Embrace Change and Thrive' in Work and Life'، كيف تتغير المشاعر، وكيف أنه بإمكان مشاعرنا أن تكشف لنا أهم قيمنا، مثل: المرونة والرزانة والفضول والشجاعة والشفقة والتعاطف، ثم العمل على تلك القيم كي نطور أنفسنا. من خلال تطبيق بحوث العلوم الاجتماعية، تقدم 'ديفيد' طريقة مكونة من أربعة أجزاء لتصبح أكثر مرونة عاطفيا في المنزل والعمل، ولتوضيح الأمر أجرت ندا سيمناني من صحيفة واشنطن بوست حوارا مع سوزان ديفيد. سيمناني: هذا الكتاب ينتقد هاجس السعادة في ثقافتنا وحركة التفكير الإيجابي التي يعتنقها الناس، مثل 'روندا بيرن' في كتابها السر. ما هي المشكلة في كون الناس إيجابيين ويحاولون للحصول على السعادة؟ ديفيد: الكثير من حواراتنا الثقافية في المجتمع تدور حول 'كن إيجابيا وكل شيء سيكون بخير'، وهو ما تسميه إحدى صديقاتي 'طغيان الإيجابية'. وقد ماتت أخيرا بالسرطان ولكن ما كانت تقصده فعلا هو التخفيف من الاعتقاد بقوة التفكير الإيجابي، إذن فكل أصدقائها في مجموعة دعم السرطان سيكونون على قيد الحياة اليوم. وذلك عن طريق إرسالها رسالة مفادها أن أفكارنا هي المسؤولة عن صحتنا ورفاهيتنا وواقعنا، فنحن نبالغ في قوة أفكارنا، وهو ما يضع الناس تحت وطأة الشعور بالذنب عندما يحدث شيء سيئ، إذ يشعرهم ذلك أنهم لم يكونوا إيجابيين بما فيه الكفاية. الواقع هو أن الحياة لن تسير بشكل جيد طوال الوقت، فأنت تتمتع بالصحة الجيدة حتى تمرض، وتسعد برفقة من تحب حتى تنتهي هذه الرفقة، وتستمتع بوظيفتك حتى تتركها، وسنواجه المواقف التي نشعر فيها بالغضب والحزن والبؤس، وما إلى ذلك، فإن ركزنا على قوة التفكير الإيجابي فإننا لن نتمكن من التعامل والخوض والتأقلم مع كل المشاعر التي تختلج أنفسنا، ولن نتعلم كيف نكون مرنين. النقطة التالية وهي مهمة جدا بالنسبة لي، المشاعر مثل الحزن والشعور بالذنب والحزن والغضب هي منارات لقيمنا. فنحن لا نغضب من أجل أشياء لا نبالي بها، ولا نشعر بالحزن أو بالذنب تجاه أشياء لا نبالي بها. فإن لم نهتم بهذه المشاعر فلقد اخترنا هنا ألا نعرف المزيد عن أنفسنا، واخترنا أن نتجاهل القسم وكل ما هو مهم لنا. النقطة الأخيرة، مهما حاولنا أن ندفع بأنفسنا على التفكير الإيجابي، وتنحية المشاعر السلبية جانبا، لن ننجح في ذلك، إذ لا تسير الأمور على هذا النحو. سيمناني: سئل ليويد دوبلر من خلال منصة 'قل أي شيء': كيف من الصعب أن تقرر أن تكون في مزاج جيد والحفاظ على هذا المزاج لبعض الوقت، هل من الممكن ألا نرغب أنفسنا بأن نكون إيجابيين؟ ديفيد: تظهر الأبحاث أنه حين ندفع بحبل الأفكار والخواطر جانبا سرعان ما تعود إلينا بحجم أكبر، فعلى سبيل المثال، هناك دراسة تبين ما يحدث عندما يقلع شخص عن التدخين ومحاولة عدم التفكير في السجائر. ما الذي يحدث؟ يبدأ بالحلم بالسجائر. تعرف هذه الظاهرة لدى علم النفس بالتسرب، وهي تعني أنه عندما تحاول عدم التفكير في شيء ما فإنه يرد عليك بقوة، وبالتالي فكرة تنحية مشاعرنا جانبا بأي طريقة لكي نكون سعداء ليس لها أي معنى. هناك أدلة تشير إلى أن الناس الذين يقدرون السعادة، والذين يركزون جهدهم كي يكونوا سعداء، والذين يعدون السعادة في حد ذاتها هدفا لأنفسهم، يصبحون في الحقيقة أقل سعادة مع مرور الوقت. فلقد وجدنا أن السعادة ما هي إلا نتيجة ثانوية للأشياء التي تمثل قيمة جوهرية لنا، بعبارة أخرى، سوف تشعر بالسعادة عندما تفعل شيئا تحبه، أما أن تجعل السعادة في حد ذاتها هدفا لك، فلن تستطيع العثور عليها. سيمناني: هل تقولين إن مصطلح الذكاء العاطفي هو بديل لنموذج التفكير الإيجابي؟ ديفيد: يوميا تتولد لدينا الآلاف والآلاف والآلاف من الأفكار الداخلية، والعواطف، والقصص والتجارب، فالذكاء العاطفي يبني قدرتنا على التعامل مع عالمنا الداخلي بجرأة وفضول، بينما يدفعنا التفكير الإيجابي إلى تجاهله، على عكس الذكاء العاطفي الذي ينمي قدرتنا ومهارتنا على مواجهة المشاعر ومعرفتها وفهمها. أربعة محاور رئيسة للذكاء العاطفي سيمناني: وضعتي أربعة محاور رئيسة للذكاء العاطفي، هل من الممكن أن تطلعينا عليها؟ ديفيد: المحور الأول: هو الإظهار أو الظهور، ونعني به إظهار المشاعر أو مواجهتها، وهذا مهم من أجل التمتع بصحة جيدة، وعلى الإنسان أن يدرك أن الحياة هشة ومتغيرة كما أنها جميلة بالقدر نفسه. فلسنا بحاجة إلى أن تهيمن علينا عاطفة واحدة أو صراع واحد، فنحن كبار بما يكفى من أجل احتواء كل مشاعرنا، وإظهار المشاعر يعني أن نتخلى عن الصراع الداخلي المتعلق ما إذا كانت مشاعرك صحيحة أو خاطئة أو أنه يجب أن يتغير شعورك. المحور الثاني: الابتعاد أو الخروج، وهذه الحالة تظهر عندما نعاني من مجموعة من الأفكار والعواطف فنخلق مساحة بيننا وبين أنفسنا وتلك المشاعر. هذا الجزء من أنفسنا هو وحده الحكيم بدرجة كافية ليدرك أننا عندما نختبر تلك المشاعر أو الأفكار، فهي ليست بالضرورة صحيحة، ويدرك أنه ليس عليك أن تتصرف بناء عليها؛ فذلك باختصار أمر تشعر به فقط. المحور الثالث: اكتشف طريقك الخاص، فعندما تظهر شيئا من العاطفة وتخلق مساحة فما الذي تفعله بهذه المساحة؟ قبل أن تتمكن من فعل أي شيء، عليك أن تدرك جيدا أسبابك ودوافعك وتدرك قيمك، فهذه الخطوة تتمحور حول كيفية التعرف على المعتقدات والسلوكيات المهمة لك. المحور الرابع: المضي قدما، في الحقيقية تتمحور هذه المرحلة حول تهذيب العادات الفعالة التي تنسجم مع قيمك، فتخلق أهدافا تريدها أنت، وهذه الأهداف عبارة عن تغيرات تنبع من دافع داخلي. فإذا كنت تحاول فقدان الوزن على سبيل المثال، تشعر أنه يجب عليك فقدان بعض الوزن لأن طبيبك يأمرك بذلك، فأنت تشعر أنك مجبر على ذلك، أو ربما تشعر أنه يجب عليك ذلك لأنك تشعر بالخزي من زيادة وزنك المفرطة. وما أظهرته الدراسات أنه عندما تحاول أن تفكر بأنك ستفقد الوزن فإن عقلك سيريك المحرمات، كقطع الكيك مثلا بطريقة مختلفة أكثر إغراء، إذ تتملكك الرغبة في أكلها. أما في الأهداف النابعة من الداخل فهي مرتبطة بقوة بعمق الأشياء بالنسبة لك، فأنت تريد أن تخسر الوزن لأن دافعا داخلك يريدك أن تتمتع بصحة جيدة، وأن ترى أطفالك يكبرون. الذي نعرفه أنه حين يكون لديك هدف نابع من الداخل فهذا سيجعل رغباتك الجسدية أقل حدة، لهذا من الضروري أن ترتبط أهدافنا بالدوافع الداخلية المنطلقة من قيمنا، وذلك لنصل إلى تغيير حقيقي في حياتنا.