الرأي

انهزام المثقف!

أحمد الهلالي
أقصد الثقافة التي تعرفونها من خلال واقعنا المعاصر بتعقيداته المختلفة، وما تزال أحاديث الرفاق حول تعريف الثقافة والمثقف في الإيوان الثقافي على هامش فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة ترن في أذني، وكأننا نهرول دائما إلى فرض الإشكالات ثم نخرج بنتيجة (إشكالية المصطلح) التي باتت شماعة لكل أمر. في المملكة اليوم مؤسسات ثقافية شتى، ونطمح وننادي بأكثر منها، وفعل ثقافي نشيط على أصعدة مختلفة وننادي بأنشط، لكن استجابة (المثقف) المعني الأول بالأمر ليست نشيطة، بل حولها استفهامات شتى، فالفعل الثقافي موجود ومعلن، يتدرج بين التقليدي والنوعي، يخاطب شرائح ثقافية واجتماعية مختلفة، لكن المثقف شبه غائب، ويدعي أنه (مغيب)، في اتهام للمؤسسات، ولو أنصف المثقفون لبدؤوا باتهام أنفسهم وساءلوها عن سر غياباتهم المتصلة عن الفعاليات. حين تقام فعالية ثقافية بحضور مسؤول فلا تبحث عن مكان، فكل القوم محتشدون، أما الفعاليات الثقافية الخالصة لوجه الثقافة فلا تسل عن حزن الكراسي، ومللها من برودة القاعة، والشوق لدفء المستودعات، وربما تجد المثقف حينذاك عبر الشبكات الاجتماعية يشن انتقادا لعنوان الفعالية، أو تقليلا من شأنها، أو عتابا للقائمين عليها الذين اكتفوا بالنشر في الصحف والتلفزيون والإنترنت عن فعاليتهم ولم يرسلوا لسعادته سيارة بسائق يتقن فتح الباب والكلام المنمق. بدأت فعاليات الجنادرية الثقافية في الإنتركونتيننتال بالرياض، وكنت أراقب بصمت قاعة الملك فيصل الفارهة بتجهيزاتها الرائعة، وسعتها، وأبحث خلال الوجوه عن مثقفي مدينة الرياض ذات الثمانية ملايين نسمة، فعلى أهمية أسماء المشاركين، وتنوع البرنامج بين الاقتصادي والسياسي والثقافي والإعلامي والأدبي والاحتفاء بقامات ينادي المثقفون بالاحتفاء بأمثالها، إلا أن تلك القاعة ظلت بربع طاقتها الاستيعابية، وأقل من ذلك، والأسئلة تمور في رأسي، كيف يكون هذا في العاصمة ذات الأربع جامعات أو تزيد، ووزارة الثقافة والإعلام، وعشرات المؤسسات الثقافية المختلفة، هل سافر القوم؟ أم جاءت الجنادرية بغتة وهم لا يعلمون؟ لكن المفارقة جاءت في زيارة ضيوف المهرجان لخادم الحرمين الشريفين، إذ امتلأت الباصات، وقرأت عشرات الوجوه التي لم أسعد برؤيتها في القاعة، ثم تفرقت بهم السبل بعد الزيارة، فاقتدى ضيوف المهرجان بسنة أهل العاصمة، وبدؤوا يتسربون. مخجل ما يحدث جدا، أن ينهزم المثقف ويكل عن إثراء الفعاليات الثقافية، ويعكس وجه الثقافة السعودية أمام زوارها، في الوقت الذي نطمح أن تكون لنا الريادة عربيا، وهذا في نظري ما يصنع فرقا بين مثقفي الأمس ومثقفي اليوم الذين اختزلوا الثقافة في جوالاتهم، فما البحث عن بهرج الدعوات، والإحساس بالتهميش، والركض إلى مآدب المسؤولين إلا مرض عصري يفتك بثقافتنا التي نلوم شبابنا العازفين استثقالا لها، ثم يبرر لهم بعض المثقفين ذلك، وبهم يحتذون. ليتهم اقتدوا بالدكتور المثقف الحقيقي مرزوق بن تنباك دائب الحضور للجلسات، ثم حرصه على حضور جلسة الإيوان الثقافي على الهامش، ليعكس لضيوف المملكة اهتمام المثقف السعودي بالمثاقفة والحوار، والإجابة عن كل استفسار يعبر صدورهم، والاستفادة من رؤاهم وحواراتهم، فالمثقف يعلن هزيمته حين يتسرب إلى ذاته الشعور بالانتفاخ، ويقتل ذاته والفعل الثقافي حين يشعر وهما بالتهميش، فيأخذ مكانا قصيا. alhelali.a@makkahnp.com