صناعة الفرح!

الصناعة كل علم أو فن مارسه الإنسان، حتى يمهر فيه ويصبح حرفة له

الصناعة كل علم أو فن مارسه الإنسان، حتى يمهر فيه ويصبح حرفة له.ذلكم هو تعريف الصناعة، أما معنى الفرح فلا أظنه يخفى على أحد، حتى الإنسان الذي تجرع كمية كبيرة من التعاسة في حياته، فهو أدرى الناس بالفرح، وإن تناول منه ملعقة صغيرة؛ فستغدو في فمه أحلى من الشهد.!هيا بنا ننطلق للحديث عن صفات أحبابنا صانعي الفرح، وما الذي جعلهم للفرح صانعين؟ وللبهجة سفراء؟.. أهم تلك الصفات وأولاها: الذكاء.فصانع الفرح شخص متقد الذكاء، يتقن الربط المنطقي بين المواقف ودلالاتها البعيدة والقريبة، وبين المعاني المتعددة للجملة الواحدة، بل يتوقع النتيجة المضحكة لما سيقوله، أو ما سيفعله، مع حرصه الشديد على عدم إحراج أحد، وإن وقع منه ذلك سهوا، بادر بروعته إلى الاعتذار وإبداء الأسف.!ولهذا أقول: الفرح صناعة لا يتقنها إلا الأذكياء، أما الأغبياء فيسببون النكد لمجتمع بأكمله، فاختاروا لأنفسكم مع من تكونون.!ثاني الصفات لحبيبنا صانع الفرح، هي النية الصافية والروح الشفافة، التي ترسم ابتسامات دائمة، وتنسج خيالات فاتنة، مملوءة بالضحك اللا منقطع.!فالشخص الذي يحسن الظن بالناس لا أعداء له، وبدلا من أن يشغل عقله وقلبه بالأحقاد، انشغل بالتأمل في الحياة والناس، فأنتج لنا مفارقات كوميدية عن حياتنا، وكيفية تصرفنا بغباء في بعض المواقف، دون أن نشعر.! وبالله عليكم، كيف لمن امتلأ قلبه سوادا أن يصنع فرحا؟! لا شك بأن فاقد الشيء لا يعطيه.وصانعو الفرح هم بشر مثلنا، لديهم آلامهم وجروحهم، لكن سمو أرواحهم وتعاليهم فوق أوجاعهم؛ جعلاهم يؤثرون نشر البهجة، بدلا من الانطلاق في التشكي الذي لا يرون فائدة ترجى منه، فما أجملهم من أناس، وما أحرانا بأن نحافظ على علاقاتنا بهم.!ودعوني أزيدكم من الشعر بيتا، ومن الدهشة قصرا، وأخبركم بأن هناك نوعا مميزا من صانعي الفرح، إنهم المبهجون الحكماء. وهم أولئك الذين يخلطون الطرفة بالحكمة، ثم يعجنونهما بماء الوعي والتجربة الحياتية، ليطعمونا خبز المعرفة والسعادة.!مع هؤلاء نمارس أمرين رائعين: الضحك والتأمل.وأنا لدي واحد منهم، إنه الصديق: صالح الزهراني، الذي تمتد معرفتي به لسنين عدة، وهو شخص مذهل بحضوره وتعاطيه للمواضيع، حيث يتناولها من زاويتين، الأولى: التحليل المنطقي بالحجج والبراهين، والثانية: تناول المواضيع بطريقة كوميدية تهكمية، وصولا إلى إقناع المستمع، مع إغراقه في الضحك.!ويتبادر للذهن هذا السؤال:هل صناعة الفرح تقتصر على من كان ذكيا حكيما فحسب؟! وهو بلا ريب سؤال مشروع ورأي مسموع، والإجابة عليه تكمل لنا فهم الموضوع.!وجوابا أقول: لا، فبيننا الكثير من البسطاء، وهم رائعون ببساطتهم، صادقون في حديثهم، يعلقون على المواقف والأشخاص بأساليبهم البسيطة، فيصيبون كبد الحقيقة، وينتزعون ضحكاتنا بأيسر طريقة.! لكن الفرق بين أولئك وهؤلاء، كالفرق بين من يحترف لعب كرة القدم، ومن يمارسها هواية.!