في السينما والفيديو وجهيمان والصحوة
الاحد / 8 / جمادى الأولى / 1438 هـ - 20:15 - الاحد 5 فبراير 2017 20:15
وجدته شابا صغيرا متحمسا للسينما ويتحسر على الماضي، وقد تشكل وعيه من خلال صور مجزأة عن تحولات مجتمعنا عبر مواقع التواصل، شرحت له عن وجود تضليل في كثير من هذه الكتابات، بعضها بحسن نية مع جهل بالتفاصيل. وجود صورة أو قصاصة مثيرة من جريدة في الستينات أو السبعينات ليس كافيا فالواقع أن هناك فئات محافظة ومشايخ كانوا يتواصلون مع الجهات المسؤولة للإنكار حتى قبل ظهور صحوة ما بعد منتصف الثمانينات والكاسيت.
وكثيرا ما نجح الاستنكار في تعديل أو تقليل هذه المظاهر، وأحيانا تقاوم بعض الجهات فيستمر الوضع، أما بخصوص السينما فالصورة الوردية التي توهم بعصر منفتح يحميه النظام ليس صحيحا، فكثير من الأمور تحكمها العفوية والتجربة والخطأ مع كل منتج جديد، أما مسألة أرامكو وموظفيها فهذه لها تاريخ خاص بها، ومعزول كثيرا عن المجتمع ويجب ألا تخلط وتقحم الأمور بهذه الطريقة.
بدون استحضار تطورات التقنية في كل مرحلة لا يمكن فهم ماذا وكيف حدثت بعض المتغيرات، فمنذ نهاية عقد الستينات والسبعينات كان حضور التلفزيون يتمدد بالمجتمع، وقد وجدت مقاومة ضده بدرجات مختلفة من بعض المشايخ ومعها بعض التفاصيل الاجتماعية، وقبلها كان الراديو حاضرا مساهما في تغيير الوعي، لكن ليست هذه قصتنا الآن.. قلت لهذا الشاب: هل تدري كيف كان يمكن مشاهدة الأفلام في تلك الفترة عند ذلك الجيل؟ يجب أن تعرف أنه إلى نهاية السبعينات كان لا يمكن تقنيا ولا يمكن تخيل مشاهدة فيلم إلا عبر السينما أو التلفزيون الرسمي، حيث لم يحضر الفيديو للسوق بعد وينتشر بأسعار معقولة، ولذلك وجدت السينما محليا كضرورة قبل ظهور الفيديو بطرق متنوعة، عند بعض الأسر وبعض التجمعات ثم لاحقا في بعض الأندية الرياضية في العاصمة. كان وجود السينما شبه عشوائي وليس مقننا بالكامل، ومن عايش تلك التجربة في أندية الرياض يدرك الحقيقة، فقد كانت غير منظمة، ويحدث فيها أشياء مخجلة يصعب الإشارة إليها هنا.
وعندما بدأ ينتشر الفيديو مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات تمكن المجتمع من متابعة كل الأفلام بدون الحاجة إلى وجود سينما، وإلا كيف شاهدنا كل منتجات تلك المرحلة من أفلام، وهذا من أقوى العوامل التي ساعدت على تأجيل موضوع السينما وتنظيمه من جهات رسمية، حيث تراجعت ضرورته للمواطنين والوافدين والأجانب كما في السبعينات. والذين يبالغون في اختزال المتغيرات كلها في حادثة الحرم يقعون في خطأ منهجي وتاريخي، وقد أشرت في كتابات قديمة لضرورة التمييز بين كثير من الأشياء التي أثر ولم يؤثر فيها الحادث. لقد كان حضور الفيديو هو أقوى العوامل التي أجلت موضوع السينما، ولأنه كان العصر الذهبي للفيديو فقد أثر ظهوره حتى على جودة إنتاج السينما المصرية وأفلامها، واشتكى في تلك المرحلة بعض النقاد الفنيين في مصر وسميت بأفلام المقاولات، فبمبالغ صغيرة يمكن إنتاج أفلام بدون الاعتماد على شباك التذاكر.
مع ظهور الفيديو تمكن ذلك الجيل من متابعة منتجات السينما العربية والعالمية في تلك الحقبة، وقد كانت متوفرة في كثير من المدن الكبيرة والصغيرة، وبأسعار اشتراكات معقولة، والذين يطرحون حكاية جهيمان والصحوة وحكاية تجاوب الجهات الرسمية معهم، سأذكرهم بجانب مغيب من الطرح الصحفي والانترنتي، وهو لماذا عجزت حكاية جهيمان أو الصحوة عن إيقاف محلات الفيديو حيث استمرت في حقبة الثمانينات والتسعينات! على الرغم من أن سقف أفلام السينما مرتفع كثيرا عن القناتين الأولى والثانية من حيث وجود الرقص وملابس المايوه، وهو سقف الفضائيات العربية فيما بعد!؟ وهذا جانب لافت فقد بذل التيار الديني والوعاظ جهدا كبيرا في التحذير من الفيديو ومواجهته بكل الوسائل ومحاولة إغلاقه، والضغط على الجهات الرسمية، ولم يتم التجاوب مع تلك الضغوط. فأين حكاية جهيمان من الفيديو، وقد كان محتواه يشكل سقفا مرتفعا جدا، ولو فتحت السينما اليوم لحذفت كثيرا من مشاهده.
الفئة المتدينة في السعودية قبل مرحلة الثمانينات كان موقفها التاريخي صارما ضد التلفزيون والفيديو مرورا بمرحلة الأسطوانات ثم الكاسيت لأن استعمالهما كان للأغاني، لكن الكاسيت الديني في التجربة المصرية والكويتية ساعد على نشوء بذور تسجيلات إسلامية في العاصمة، قبل أن تحدث طفرة هائلة لسوق الكاسيت، حيث لحقت الصحوة بآخر عقد ما بين 1985 إلى 1995 بالاستفادة منه كأقوى أدواتها التاريخية، وهو زمن انتهت ظروفه ولم يتكرر.
بخصوص الفيديو لم تستطع الصحوة أسلمته حيث ضاعت عليها سنوات طويلة بتحريم الصورة والتصوير والموقف منهما، والمنفتح منهم الذي يبيح صورة الهوية! في الثمانينات وجد فيلم عمر المختار، وعرض في قاعات بعض الجامعات مثل جامعة الملك سعود، وأيضا مناظرات الشيخ ديدات الشهيرة. بعدها جاء الفيديو الإغاثي وقصص الجهاد الأفغاني وعرض مشاهد كثيرة منها في معارض الكتب، ثم جاءت محاولة إنتاج أفلام كارتون إسلامية في منتصف التسعينات.
كيف واجهت وزارة الإعلام ضغوط تلك المرحلة، وما هو الإجراء الإداري؟ أوقف الفسح لأي تسجيلات جديدة، ومع ذلك توسعت التسجيلات الإسلامية وأخذت تنتشر، نتيجة تحول كثير من الفني إلى إسلامي عن طريق النصح أو إغراء أصحابها بمبالغ مجزية لبيعها فتتحول إلى إسلامية، وأذكر أن شابا من إحدى مدن القصيم قال لي في تلك الفترة «هل تصدق إذا بغينا نشتري أشرطة أغاني لازم نروح لبريدة»، ضحكت قلت ليش بريدة؟ قال لأن كل التسجيلات التي عندنا تحولت إلى إسلامية.. ثم جاء بعدها طوفان الفضائيات والنت والأجهزة الذكية، فتحول هذا الماضي القريب إلى المتحف سريعا، حيث نرى شريط الكاسيت والفيديو كإحدى التحف التراثية في متاحفنا الشخصية، بجانب القربة والزير والمنفاخ!