الرأي

رئات باردة!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
الجزء الخاص بالطقس في ذاكرتي لا يعمل بشكل جيد، شأنه في ذلك شأن بقية الأجزاء. ولذلك لا أتذكر هل كان البرد في السنوات السابقة بهذه الحدة والعنف أم إن الأمر يحدث للمرة الأولى هذا العام فقط. والمسألة نسبية بالطبع، فأهل تهامة يعتبرون الحديث عن البرد شيئا من الخيال العلمي. وهذه الأيام شديدة البرودة فرصة سانحة لبقية الناس ليحسدوا سكان تهامة، أما بقية أيام الحياة فلا يحسدون عليها. والحسد بالحسد يذكر، فإن كثيرا من الخلق لم يكن البرد بالنسبة لهم فرصة لاستعراض درجات الحرارة في السناب شات ولا من السخرية من الأوضاع التي يخلقها البرد، كانوا يعانون من البرد فعلا، كان البرد بالنسبة لهم قاتلا حقيقيا، وأنا لا أتحدث عن اللاجئين المشتتين الذين تتقاذفهم الحدود، ويتاجر بقضاياهم الطغاة، ولا عن المشردين الذين لا تعرف أسماؤهم ولا ملامحهم، فهؤلاء أمرهم معروف، والتعاطف معهم ومع مشكلتهم ومحاولة مد يد العون لهم بالطرق المتاحة والدعاء لهم واجب على كل البشر، لكني أتحدث عن أناس بيننا، يعيشون معنا، وعن بيوت الصفيح على أطراف المدن، عن البشر الذين يقتلهم البرد ويشوي جلودهم الحر، شمالا وجنوبا، هناك حيث لا تكون مسألة «الحضور الجماهيري للمباريات» هي المشكلة الوحيدة التي يتسبب فيها البرد. أعلم يقينا أن مقالا مثل هذا لن يحل مشكلتهم، وقد تكون الفائدة الوحيدة من الصحيفة ـ إن وجدوها ـ هي أن يشعلوا بها نارا لعلهم يصطلون. لكني أتحدث من باب شهوة الكلام، وحتى أذكر نفسي فقط بأن كثرة شكاواي من البرد وأنا أتدثر «فروتي» وأشرب الزنجبيل وأشاهد فيلما، مجرد شهوة في الكلام أيضا وليست شكوى حقيقية. فالذين يعانون حقا لا يشتكون كثيرا، والذين يحزنون بصدق لا يخبرون الناس أنهم كذلك. وعلى أي حال.. لا شيء أكثر دفئا من وطن، ولكل إنسان وطنه الذي يتخيله أو يسعى إليه، أو يعيشه أو يعيش فيه، أو يموت به أو يموت فيه.