الرأي

جامعة المعلم

تهيأت لي خلال الفترة الماضية زيارة عدد من طلاب التربية العملية، كانت صدمتي عظيمة وأنا أنتقل بين فصل وآخر ومدرسة وأخرى، ضعف شديد في المادة العلمية وطريقة التدريس وإدارة الصف، وكل ما له علاقة «بمهنة التدريس» كان يعاني في الحقيقة من ممارسات عديمة التأهيل والمعرفة من «الطلاب المعلمين»، فعدا اثنين منهم كانوا يظهرون بعض الجدية والاهتمام «والالتزام»، كان البقية بين مقلد لمن قبله من المعلمين في المدرسة بعدم المبالاة والاهتمام بالتحضير والمتابعة والوسائل، وبين من لا يعرف كيف يتصرف في موقفه ذلك، وثالث تشعر أنه لم يدخل برنامج إعداد أبدا!! منذ بداية رحلة التعليم في المملكة عبر مديرية المعارف كان إعداد المعلم مرتبط بالهدف من التعليم، فكان الهدف عند تأسيس هذه المديرية هو نشر التعليم في البلاد بعد توحيدها، فوجد ما يسمى «بمعلم الضرورة» وكان يشترط فيه أن يقرأ ويكتب فقط. تطورت البلاد بفضل الله تعالى وتقدمت، وتغيرت أهداف التعليم وتغير معها برامج إعداد المعلم وكلياته، حتى وصل إلى نهاية الطريق في عام 1427 حين صدر قرار بإغلاق كليات المعلمين ودمجها ضمن كليات التربية في الجامعات، وهو ما اعتقد أنه من الأخطاء التي ارتكبت في حق التعليم في المملكة العربية السعودية، صحيح أن كليات المعلمين في وضعها السابق لم تكن بتلك الكفاءة في إعداد المعلم، فقد كانت تحاول جاهدة الربط بين الطالب ومهنة التعليم، ببرنامج يحتوي مختلف المواد التربوية ومختلف التخصصات، بحيث يتخرج «الطالب المعلم» وقد تناول من كل علم طرفا في التربية والدين واللغة والرياضيات والعلوم والفنية والرياضة، فيتكون ما يسمى «بالمعلم الكشكول» القادر على تدريس أي تخصص في المرحلة الابتدائية. كنت أرى بدلا من إغلاقها؛ تطويرها وتحسينها وتحويلها إلى جامعة، ووظيفتها تخريج وتدريب وتأهيل المعلمين والمعلمات في مختلف التخصصات التعليمية والتربوية، وتعمل على تخريج الكفاءات الإدارية من مختلف الاحتياجات المدرسية من قادة مدارس ومرشدين للطلاب ومشرفين تربويين ومعلمي للصفوف الأولية والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والمدربين الرياضيين من خلال فتح تخصصات محددة لهذه الأقسام، فالتعليم في السعودية بحاجة لمصنع للمعلمين لإعدادهم معرفيا ومهاريا ووجدانيا ليكونوا كفء لرسالة التعليم، وهو ما يفتقده المعلمون والتعليم وما أثر في كفاءة المعلمين وقدرتهم على مواكبة تطور المناهج وتطور الطالب، فالكليات الجامعية في مختلف التخصصات (الشريعة وملحقاتها واللغة العربية والعلوم الاجتماعية) لا تخرج مدرسين، بل تخرج «حفظة» بعضهم يعجز عن تحضير درس أو إيصال معلومة، ويبدأ عام التجربة الذي يجرب فيه كل شيء يمكن أن يمضي به الوقت الدراسي ويراجع خبراته حين كان طالبا في المدرسة والجامعة وينوع في استخدامها بحسب الموقف التعليمي الذي يقف فيه، فمنهم من يحرص على تطوير نفسه بالحصول على دبلوم تربوي ومنهم من يبقى ويستمر على حالته. جامعة المعلم يمكن لها أيضا أن تقوم بمهام التدريب لمن هم على رأس الخدمة في جديد المناهج والاستراتيجيات والطرق والتقنيات، بدلا من الاعتماد على مراكز التدريب الحالية والتي هي ضعيفة جدا في التنمية المهنية، ولا تخلو من مشاكل وعقبات تضعف من دورها وتأثيرها على الميدان التربوي. والمرجو من لجنة تطوير برامج إعداد المعلمين بكليات التربية بالجامعات السعودية والمشكلة أخيرا لتتولى وضع الإطار العام لتطوير منظومة إعداد المعلم في كليات التربية وتحديث الأنظمة والسياسات التعليمية المتعلقة بقبول الطلاب والبرامج والمناهج الدراسية بما يتناغم مع الرؤية المستقبلية التطويرية لبرامج إعداد المعلم، المرجو منها أن تنظر لمقترح: تخصيص جامعة أو أكثر من الجامعات المنتشرة في بلادنا لتكون جامعة المعلم بمبانيها وميزانياتها وأعضاء تدريسها موجهة ومخصصة للتعليم والمعلمين بتخصصات تربوية بحته هدفها إعداد المعلم بشكل موحد على مستوى البلاد، وتكون هي المرجعية الأولى والأساس لجميع كليات التربية للجنسين، فتضع البرامج والأنشطة وتشرف على التدريب والتطوير، وتنفذ برامج ما بعد التعيين وأثناء الخدمة لتحقيق التعلم المستمر للمعلمين، وتقيم برامج الدراسات العليا التخصصية وبرامج الابتعاث، فتكون بحق هي المرجع في إعداد المعلم، فنكون قد وضعنا حدا لضعف الإعداد والتدريب وساعدنا المعلمين في تطوير أنفسهم وقدراتهم وكفاءاتهم ببرامج حقيقية متخصصة، وعلى أيدي أساتذة وتربويين ومتخصصين في الإعداد والتطوير.