الرأي

ألف باء التحريض

فهد الحازمي
من خلال متابعتي للنقاش الدائر في وسائل التواصل كتويتر والواتس اب، كثيرا ما يشدني انتشار الشائعات وحملات التحريض المتكررة في جو مفعم بالكراهية والعنف اللفظي. كيف ينجر الناس لتصديق الشائعات والانجرار وراء حملات التحريض بكل سهولة وبدون التفكر فيها وضرب أي حساب لها؟ قد لا يكون جوابي هنا وافيا لكني أعتقد أن هناك مسألتين مهمتين: الأولى سهولة نزوع الفرد للجماعة ورأيها وما نزلت عليه، حيث إن معارضة رأي الجماعة كثيرا ما يكون لها تبعات اجتماعية تجرنا للعزلة. أما السبب الآخر فهو أن عقولنا وقدراتنا الإدراكية قاصرة عن استيعاب المعلومات بشكل موضوعي كل الوقت. أما النقطة الأولى فهي مدعومة بسيل كبير من الأبحاث الاجتماعية في علم النفس وعلم الاجتماع. نزوع الإنسان لمن يشبهونه فطرة تلقائية نجدها حتى في ممالك الحيوانات. وسواء اتجهت شرقا أو غربا ستجد في كل مجتمع طيفا من التصنيفات والتوجهات التي تعطي نظرة دقيقة عن نظرة هذا المجتمع للعالم من حولهم وتعاملهم معه. «النساء والحريق والأشياء الخطيرة» هو عنوان كتاب معروف لعالم اللغويات الإدراكي جورج لاكوف وهو مستلهم من تصنيف إحدى القبائل البدائية للطبيعة حولها! ولكن لماذا ننصاع للجماعة أو القطيع بشكل تلقائي دائما - مهما ادعى أحدهم أنه يرفض رأي القطيع؟ هناك سببان على الأقل، الأول لأن الانتماء للجماعة مبعث للشعور بالراحة النفسية، حيث إن الإنسان يسعى دوما لما يزيد من حظوظ سعادته. هذا السبب ينطبق خصوصا إن كان الانتماء للجماعة يعطي شعورا بالفوقية والتفوق الأخلاقي. أما السبب الثاني فهو أن الجماعة تلعب دورا مهما في فلترة المعلومات والأخبار التي تحصل خارج إطار الجماعة وإن كانت هذه المعلومات والأخبار مشوشة وغير دقيقة. نحن كائنات محدودة الجهد والطاقة وليس في مقدورنا متابعة كل المعلومات اللازمة لتكوين آرائنا بموضوعية ومن هنا نضطر لقبول العموميات التي تتبناها الجماعة وإسقاطها على الآخرين ليتسنى لنا التعامل معهم بقوانين وأعراف واضحة. أما النقطة الثانية، فلا شك أن عقولنا كثيرا ما تقع في «الأفخاخ الإدراكية» والتي تسمى بالانحيازات لأنها بكل بساطة هي الطريقة التي تأقلم عليها العقل للتعامل مع العالم الخارجي. وكمثال على هذه الانحيازات نأخذ مثلا الانحياز التأكيدي والذي ينص على أن الفرد يميل للبحث عن الآراء التي تؤكد قناعاته وآراءه المسبقة وتجاهل المعلومات التي تناقضها. فهذه المعلومات التي تناقض قناعاتنا وآراءنا المسبقة مصدر لقلقلة الاطمئنان النفسي. هذه الانحيازات ليست بالضرورة «انحرافا» عن التفكير السليم بل هي نظام عقلي قائم على التفكير التلقائي السريع الذي يسهل علينا الحياة اليومية حين لا يكون لهذه الانحيازات أي أثر سلبي. وهذه النقطة مهمة للغاية لأنها تفسر - ولو بشكل جزئي - كيف أن الأدلة والحقائق الواضحة لا تغير القناعات بل وقد تزيدها تعنتا وصلابة! يجرنا هذا الحديث إلى تساؤل مهم، وهو ماذا نفعل إذن إذا ما أردنا أن نحافظ على موضوعيتنا واستقلاليتنا في ظل موجات الكراهية التي تعج بها وسائل التواصل؟ برأيي أن ذلك تحد صعب للغاية؛ لأننا مهما فعلنا قادرون وبكل براعة على خداع أنفسنا بالعيش في وهم الموضوعية والاستقلالية. لكن هناك بعض الملاحظات التي قد تساهم ولو نسبيا في تمسكنا بالموضوعية. لعل أهمها هي نصيحة الفيلسوف البريطاني برتراند راسل وهي أن نفرق دوما بين الوقائع والحقائق مقابل التحليلات التي تعززها تلك الوقائع. الوقائع بذاتها لا تتغير بفعل الزمن أو المكان أما التحليلات فبلا شك أنها تتغير وتتطور دوما بشكل مستقل تماما. وللحديث بقية. كيف ينجر الأفراد وراء حملات التحريض والهشتقة؟ 1 سهولة نزوع الفرد للتصنيف والانتماء للجماعة. 2 قصور عقولنا عن استيعاب المعلومات بشكل موضوعي. كيف نحافظ على استقلاليتنا في ظل موجات الكراهية؟ التفريق بين الحقائق والآراء، فالحقائق ثابتة أما الآراء فهي عرضة للتغير.