الرأي

مفهوم المواطنة.. والعنصرية

التقييم بناء على القبيلة والمنطقة أمر مألوف في المجتمعات العربية، كل قبيلة تظن بأنها هي الأفضل نسبا وإنجازا وتقلل من شأن غيرها، عادات تواترت إلينا منذ الجاهلية ولم تستطع الدولة الحديثة أن تلغيها أو تخفف حدتها كما فعلت المنهجية المحمدية، بل نجد في داخل كل شخص منا جزيء عنصري خامل ينشط إذا وجهت لنا مفردة تصفنا بأقل مما أدرج في لاوعينا بفعل المفاضلة القبلية، فيبدأ نشاط ذلك الجزيء في أعماقنا حتى لو كنا نحارب العنصرية، وقد نتمنى لو يتاح مجال فنفاخر بأمجاد عصبتنا الأقربين. في مقابل ذلك، لو وجهت لإنسان إحدى المفردات العامية العنصرية يغضب ويبدأ في شرح تاريخي لحسبه ونسبه فيغذي العنصرية من روافد أخرى وهو ينطبق عليه المثل المصري «على مين تقرأ مزاميرك يا داوود» فهيهات أن يقنع العقل المشبع بالعنصرية. العنصرية هي: القناعة التي تدفع إنسانا للشعور بالتفوق على إنسان آخر لا يشترك معه في خصائص الدم أو اللون أو الدين أو الجنس وممارسة أنواع من التمييز ضده. في عام 2013 نشرت إحصائية لأكثر دول العالم عنصرية؛ ونأتي في مجموعة الدول العربية الأولى الأكثر عنصرية مع الأردن ومصر، حيث سبقتنا هونج كونج وبنجلاديش والهند. في التقرير ذكرت جميع أشكال التمييز العنصري كانت القبلية أولها، ثم العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء، ونحن كسعوديين أدرى بـ «شعابنا» ونعلم أن الإحصائية لا يشوبها مؤامرة، ولم يفاجئني أن تكون فرنسا بعدنا تماما فقد رأيت ذلك بنفسي إطلاق عبارات عنصرية ضد العرب والمسلمين أمر ستلاحظه بسهولة في عاصمة النور. قبل ثلاثين عاما الجميع كان يعتقد بأن الطفرة والحداثة وما تبعها من انفتاح ستزيل القانون القبلي والقبيلة، كان الناس يعتقدون بأن «علوم القبائل» هي الرادع لكل فعل مشين ومخجل في المجتمع، فنشأت قوة ممانعة لكل حداثي وبدأ التبرير للرفض تجاه التغيير الطبيعي بصيغ دينية غالبا، فوجدنا أنفسنا اليوم أمام شكل هجين من القبلية؛ قوية وجريئة وربما متمردة. «الفزعة» في قضايا القتل وجمع الديات التي تصل لعشرات الملايين لفرد من أبناء القبيلة -محكوم بالإعدام- هي إفرازات للتعصب القبلي ونصرة للباطل بقدسية القبيلة. إن الطبيعة العربية خاصة تميل إلى العصبة والتفاخر بها، وهي تنظيم اجتماعي طبيعي يحافظ على ثقافة وإرث الثقافات الإنسانية، ولكنها قوة اجتماعية تضع لنفسها صلاحيات السماح والمنع بالقوة والسطوة على الحريات الفردية إذا لم يناسبها سلوك فردي، أو تمارس تحقير وانتقاص غيرها من القبائل واستعراض أحداث تاريخية للمفاخرة وشحن الجو العنصري الذي يقود الجهلة للقيام بأعمال سيئة واستغلال نفوذ القرابة في تسهيل معاملات نظامية أو تحدي القانون، تلك القوة بكل ما لها من مميزات هي «آلة الزمن» التي تعود بالدول إلى القرون المظلمة في التاريخ. إن الوصول لمفهوم المواطنة لدى أفراد مجتمع قبلي بطبيعته سيحتاج إلى قت، وربما يساعد استحداث أو تفعيل القوانين المنظمة والرادعة للممارسات المتعصبة على كسب الوقت وحث العقل العنصري على تجاوز الحدود الضيقة إلى مفهوم أشمل وأرقى قبل انحسار المجتمع في زاوية حرجة.