الرأي

التعليق الرياضي.. الحلقة المفقودة بين الزمن الجميل والآن

قد يعتقد البعض أنني أكتب هذا المقال بصفتي ابن الرئيس السابق للجنة المعلقين، رحمه الله، ولكنني أكتبه كمستمع اضطر أحيانا لسماع المباراة من دون صوت، كمستمع عاصر التعليق الرياضي في زمن كانت له لجنة تضع الأسس والمعايير لاعتماد المعلق للتعليق الرياضي (قد ينتظر المعلق سنينا للظهور على الهواء)، لجنة كانت تراقب وتضبط المصطلحات وطريقة التعليق على المباريات، لجنة استمرت لفترة 24 عاما (1400-1424) تخرج خلالها جيل جميل كان يريح أذن المتلقي، لجنة كان رئيسها يحرم نفسه من الغداء مع أولاده وهو يتحدث بالهاتف ويوجه المعلق، لجنة كان رئيسها يذهب من مكة من بعد صلاة العصر لجدة مع أن المباراة بعد صلاة العشاء للاستعداد للمباراة، لجنة كان رئيسها يتابع المباراة دقيقة دقيقة، ويسجل أخطاء المعلق ليتصل عليه بين الشوطين وبعد نهاية المباراة لمناقشة هذه الأخطاء، لجنة كانت تختبر وتمحص المعلق وتختار الأجدر من حيث الثقافة والمستوى العلمي وخامة الصوت والخلفية الرياضية، لجنة كانت تقيم الدورات والتجارب للمعلقين. توفي الرئيس قبل 14 عاما وذهبت اللجنة من غير عودة، نعم لكل زمان رجال، وانتهت تلك الفترة وأتت فترة القنوات الناقلة وعالم البزنس وأصبح المعلق مطلبا جماهيريا، ولكن للأسف لم تهتم هذه القنوات إلا بالمكاسب المالية، وأصبح (المعلق إلي تغلب به العب به) وأصبح المعلق الأعلى صوتا هو المرغوب، المعلق المقلد هو المطلوب، ولا يوجد أي محاسب أو رقيب للمعلق بعد نهاية المباراة. لا أنكر وجود بعض المعلقين الجيدين، ولكنهم قليلون جدا (خاصة السعوديين). إذن ما هو الحل؟ الجميع يعلم أن التعليق موهبة من الله ولا يدرس (أذكر هذه الجملة عندما يقول لي البعض لماذا لم تعلق مثل الوالد)، أعتقد أن الحل يكمن في إلزام القناة الناقلة للدوري بتشكيل لجنة من المعلقين يرأسها معلق سابق ذو سمعة ممتازة (على سبيل المثال أ.علي داود) يقوم بجميع ما ذكرت بخصوص لجنة المعلقين السابقة، وكذلك يتابع المعلقين، وأيضا إقامة المسابقات لاكتشاف المعلقين الجدد، وأيضا توجيه المعلقين بأن الصراخ والتقليد ليسا الطريق للوصول للقمة في الزمن الحاضر. لم أكن أرغب في كتابة هذا المقال إلا أن كثرة الإخوان الذين يشتكون من معلقي الزمن الحاضر وملاحظاتهم جعلتني أكتب هذه الملاحظات وأقارنها بالزمن الجميل. وأختم بجملة ذكرها الأستاذ منصور الخضيري في لقاء له في جريدة الرياض قبل سبع سنوات بعنوان (رحم الله أيام لجنة المعلقين).