الرأي

الموت التصاقا بالركام

شاهر النهاري
كانا مطلوبين أمنيين في بلدنا، ولا يستغرب ذلك، فالفكر الظلامي قد تعدى كل حدود اليقين والمنطق، وتجاوز كل المشاعر والمخاوف، وقلصها للحد الأدنى. أما حقدهما فقد بلغ ما يجعل الموت في عينيهما فرجة أمل، وانتصارا، ووصولا إلى مشارف عالم مضمون الجوائز! يقينهما كان يغويهما، بأن الحقيقة والراحة والسعادة تكمن في أفق بعيد مرتقب أجمل من كل الملموس، وأن التعالي على كل ألم هو مفتاح أبواب السعادة، وأن الراحة تنتظرهما بأرائكها وهوادجها، بمجرد نزع هذا الجسد الفاني عن روحيهما ليغتسلا بالماء والبرد، وتغدو رحلتهما خلال الضوء سهلة ميسرة لا يقف أمامها مانع، إلا مشاعر تردد وخوف تؤجل مرحلة ترك الأثر والضرر من خلفهما! لقد وعيا منذ الطفولة دروس حياة الكره السرية، التي كانا ينهلانها من خلف المنابر، ومن حيرة أوراق دروسهما في خارج أوقات الدروس، مع من تمكن وأبدع في إقناعهما بأن الحياة زائلة، وأن المواقف الشريفة الكريمة لا يبلغها إلا المخلصون النادرون، ممن يرفضون الحياة بين الكفرة حتى ولو كانوا أقرب أهاليهم، ويأنفون عن مجتمع كافر رغم مظاهر تدينه، ويحقدون على حكومة كافرة، لا تحكم بما أنزل الله رغم شريعتها الإسلامية! والعالم الخارجي أيضا كافر عندهما بجلاء، ومجاورتهم تحتاج إلى كره متأصل واحتقار ودعاء متصل بالتدمير وقطع النسل؛ وكيد أعظم مما يبلغه الكائدون، وكذب وتقية تماهي بين المظهر والمخبر، وقوة في الذبح، وسلطة جائرة لا قيمة للإنسان عندها. لقد أيقنا أن الحقد طريقهما إلى الحور العين، وأن البقاء على متن الحياة الزائلة يؤخر متعتهما بأنهار الخمر واللبن، وبالولدان المخلدين؛ مما يحز في نفسيهما، ويجعلهما في قلق منعدم الضمير، ويقين بعدم جدوى البقاء على قيد جناح ذبابة، لا تستحق إلا سكرات الموت. أعلنت وزارة الداخلية السعودية يوم 21/1/2017 عن مداهمة وكرين إرهابيين لخلية إرهابية بشكل متزامن، حيث يقع الأول منهما بحي (الحرازات)، بمحافظة جدة، وهو عبارة عن استراحة اتخذها عناصر الإجرام مأوى لهم، ومعملا لتصنيع الأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة. وأوضح المتحدث الأمني أن العملية بدأت بتطويق وتأمين المواقع المجاورة لها، وقد بادر من فيها وهما شخصان بإطلاق النار بشكل كثيف على رجال الأمن، ولم يستجيبا لكل النداءات، التي وجهت لهما بتسليم نفسيهما، ما اقتضى الرد عليهما بالمثل، وفقا لحرج وخطورة الموقف. وأضاف البيان «حينما يئسا من القدرة على الإفلات من قبضة رجال الأمن، أقدما على تفجير نفسيهما بواسطة أحزمة ناسفة، ما أدى لتطاير أشلائهما في زوايا موقع الاستراحة مع انفجار المعمل، الذي بداخلها، فيما لم يصب أحد من الموجودين بجوار موقعها، الذي تم تأمينه قبل المداهمة». الجسدان ورأينا ما حدث لهما من بشاعة انسلاخ وتهشيم وتقطيع ونثر في قمة بشاعة تعجز حتى أفلام الرعب عن توثيق تراجيدية اندثارهما بين المخلفات والركام والقمامة. لقد غادرا روعة شبابهما بغدر هما من صنعاه بأرواحهما، وجنون سيطرة مرضية! ولسنا هنا لنحكم على قرار الخالق سبحانه، ولكنا نرى النتائج الدنيوية، ونعرف ونقارن، ونتمنى أن يفهم ويعتبر بذلك كل من له قلب وعقل قويم، وكل من له نفس سوية تؤمن بالسلام والمحبة لكل البشرية. shaher.a@makkahnp.com