التوطين حق مشروع وتحقيقه ليس ببث الكراهية
الاحد / 24 / ربيع الثاني / 1438 هـ - 19:45 - الاحد 22 يناير 2017 19:45
عشت الأسابيع الماضية معركة طويلة مع أطراف عدة حول توطين الوظائف، ولفتني أن هناك غيابا للمعلومات والحقائق الواقعة في سوق العمل واحتياجاته حتى لدى بعض الأكاديميين، وأن هناك هيمنة لفكرة أن الوافدين هم سبب بطالة أبنائنا، وحماسة لدى البعض لإخراجهم من البلاد رغم أهمية ما يقدمونه من خدمات للمجتمع وللتنمية، وأن نفس الكراهية بدأ يتنفس.
إن غياب المعلومة الصحيحة يعني أن القرارات تبنى بأسلوب التجربة والخطأ وأحيانا خبط عشواء، وحتى المقترحات والحلول لمشكلة البطالة تصبح في واد والمشكلة في واد آخر، وهو ما يفاقم المشكلة ولا يحقق أثرا إيجابيا للحلول.
وأما قول البعض إن الوافدين هم سبب بطالة أبنائنا ففيه مجافاة للحقيقة، فالوافدون يتم استقدامهم بناء على الحاجة، وغالبيتهم العظمى يعملون في وظائف لا يقبل عليها أبناؤنا، وترديد هذه الفكرة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يتسبب في شحن نفوس أفراد المجتمع والعاطلين عن العمل وينمي مشاعر سلبية تجاه الوافد ويبث الكراهية في نفوس المواطنين تجاهه، ولهذه المشاعر وهذا الشحن ردود أفعال ومخاطر حقيقية على السلم الاجتماعي لا بد من منعها بالحكمة والقرارات الرشيدة.
كما أن ترديد هذه الفكرة يوجه صناع القرار إلى الحلول الخطأ، وهذا ما نعيشه منذ عقود، فالقرارات تصدر دون وضع يد صانعيها على لب وأسباب البطالة.
ذهبنا لقرارات سعودة قطاعات ووظائف بالكامل برغم علمنا بأنه لا توجد أعداد كافية من أبنائنا لإشغالها وحتى بصرف النظر عن رغبتهم وقدرتهم على العمل فيها، ومثال ذلك قرار سعودة سائقي الأجرة ونقل الحجاج، وسعودة سوق الخضار، وتركنا العمل الجاد على تلمس الأسباب الحقيقية للبطالة ومنها أسباب متعلقة بثقافة المجتمع ونظرة بعض أفراده للأعمال اليدوية، وأسباب متعلقة بتأهيل أبنائنا على الوظائف التي يحتاجها سوق العمل وبالأخص العليا منها وذات الدخل الأعلى وذهبنا إلى الحلول (الاستقرابية) السهلة وهي إصدار قرارات سعودة المهن الدنيا ذات الدخل المنخفض كالتي ذكرتها قبل قليل، وقرارات تفرض السعودي على القطاع الخاص بوسائل مختلفة دون النظر إلى توفر الأعداد الكافية من السعوديين لشغلها ولا إلى رغبتهم وقدرتهم على العمل فيها.
أصدرنا قرارات غير واقعية لسعودة عشرات الوظائف، ولعدم توفر أعداد كافية راغبة وقادرة من السعوديين على شغل الوظائف المقصورة عليهم تم إشغالها بوافدين ولكن بمسميات مهن أخرى.
هذا الوضع يعتبره البعض تحايلا من مؤسسات القطاع الخاص، وهو كذلك، ولكنه بسبب القرار غير الواقعي الذي دفع أصحاب المؤسسات لهذا السلوك السلبي، وقد سبق لي أن نبهت في كتاباتي إلى ضرر هكذا قرارات على منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بدفع أفراده إلى التحايل والكذب والتزوير تحت عنوان الاضطرار، وحملت معالي المهندس عادل فقيه عندما كان وزيرا للعمل في حوار مع معاليه دار على طاولة الحوار الأكاديمي في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز رسالة مفادها أن على وزارته التوقف عن إصدار قرارات غير واقعية ونقل هذه الرسالة لزملائه الوزراء حماية لمنظومة القيم الأخلاقية للمجتمع.
وهذا التحايل أدى إلى تشويه قواعد بيانات سوق العمل واحتياجاته الحقيقية من كل تخصص وكل وظيفة، وهو ما يمنع اعتماد الحلول الصحيحة للسعودة، وقد قلت هذا الكلام تحديدا لمعالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- في مؤتمر لوزراء العمل عقد في البحرين وطالبته بإلغاء قرار حظر الوظائف وتحرير المهن بشكل كامل من أجل معرفة الأعداد المطلوبة لكل تخصص ووظيفة وبناء خطط التعليم الجامعي والمهني والتدريب على أساسها.
وما زال للحديث بقية..
faez.j@makkahnp.com