الرأي

لكل سعودي.. لا تنسوا عام 1932!

محمد حطحوط
عام 1932 كان اقتصاد العالم يمر بحالة حرجة، وكثير من الدول أنهكتها الحرب العالمية الأولى، وأمريكا وقتها تعيش ذروة الكساد الاقتصادي العظيم، وكان عدد الحجاج في تراجع حاد، واقتصاد السعودية في فترة صعبة جدا. اضطر الملك عبدالعزيز لإرسال ابنه الملك فيصل للندن للحصول على قرض مالي يساهم في بناء الدولة الجديدة، حيث طار الملك فيصل صوب بريطانيا حاملا وصية والده، حيث شاب صغير بعقل كبير، ودولة ناشئة تجلس على طاولة واحدة مع أعتى قوة بالعالم آنذاك. كان السيد البريطاني أوليفانت من استقبل الوفد، والذي قال لهم الكلمة التي ندم عليها كثيرا، واكتشفت بريطانيا أنها ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا عندما كان رد أوليفانت بجيحا بقوله للوفد: (لا!) رفض البريطانيون فكرة القرض، وكانت أشبه بصفعة قاسية للشاب الأمير، عندها طلب الوفد السعودي على أقل تقدير أن تقوم شركات بريطانية بالتنقيب عن النفط في السعودية، ولكن الرفض مرة أخرى كان سيد الموقف وبأسلوب سيئ وفيه شيء من الكبر. أضاف أوليفانت معللا قرار رفض التنقيب: (أنتم دولة غير معروفة!) غضب الملك فيصل لهذه الكلمة، وبعدها بساعات غادر الوفد السعودي لندن. رفضت لندن فكرة القرض المالي البسيط، ورفضت كذلك أن تنقب عن النفط في السعودية، وذلك بعد اكتشافه في العراق وإيران. إنه الحدث الذي لا يمكن أن ينساه أي سياسي بريطاني في وقتنا الحالي، بالرغم من مرور 80 سنة على الحدث الذي غير موازين القوى في الشرق الأوسط والخليج إلى الأبد، لأن الخبر حل كالصاعقة على لندن بعد أسبوعين من مغادرة الوفد السعودي، وذلك عندما اكتشفت شركة أمريكية النفط في البحرين! بعدها بأشهر وقع الملك عبدالعزيز اتفاقية مع شركة أمريكية للتنقيب عن النفط، والتي اكتشفت بعد سنوات قليلة جدا أكبر احتياطي نفط عرفته البشرية! كانت لحظات صعبة على السيد أوليفانت ورفاقه في لندن، لأن هذه الدولة الصغيرة (وغير المعروفة) لم تعد كذلك مطلقا، كما تقول قناة BBC معلقة على خبر اكتشاف النفط. بدأت موازين القوى تختلف في المنطقة، فبعد الهيمنة البريطانية الطويلة، بدأ الحضور الأمريكي في التزايد، وبدأ المد البريطاني آخذا في الانحسار. يقول المؤرخ البريطاني مارك هوبس عن ذلك اللقاء التاريخي بين الملك فيصل وأوليفانت: (إنه لقاء واحد فقط يتمنى جميع السياسيين البريطانيين أن يدخل حيز النسيان)، لكنه لن يدخل أبدأ حيز النسيان! كلمة (لا) جعلت البي بي سي تضع صورة أوليفانت بالمقاس الكبير وتكتب فوقه معلقة: هذا هو الدبلوماسي الذي (رفض) هدية النفط السعودي! وفي هذه القصة الحقيقية لكل سعودي الكثير من العبر، كيف كنا، وكيف أصبحنا، وماذا يحمل القدر لهذا البلد في المستقبل. m.hathut@makkahnp.com