ما بعد الهدنة.. لبننة سوريا
الخميس / 7 / ربيع الثاني / 1438 هـ - 19:00 - الخميس 5 يناير 2017 19:00
حققت الولايات المتحدة الأمريكية أهدافها في إدارة الصراع الناجم عن الثورة السورية دون أن تخسر دولارا واحدا. ربما يختلف معي كثيرون يعتقدون أن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط أخذ في الانحسار مع تنامي النفوذ الروسي في المنطقة. لكن الحجة التي أجادل حولها هي أن أمريكا قبل أربع سنوات فقط، وفي عهد أوباما الذي يوصف بأنه ضد نظرية التدخل العسكري والحروب الاستباقية، شنت عملية «فجر أوديسا» في ليبيا وقضت على قوة نظام معمر القذافي الجوية رغم أنف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وما زالت أمريكا تحتل الأجواء العراقية، فضلا عن ضرب القوات الجوية الأمريكية أهدافا داخل العمق السوري تعود لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا). فكيف يقال إن النفوذ الأمريكي آخذ في الانحسار مع تشديد إدارة البيت الأبيض على حلفاء الثورة السورية بمنع تزويد الثوار بمضادات الطيران؟!
إلى الآن الأهداف التي حققتها أمريكا هي جر بوتين لحرب خارج الحدود لاستنزافه ومقايضة الملف السوري بالملف الأوكراني، وكذلك إقحامه في الملف السوري لمواجهة نفوذ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سوريا، والحيلولة دون إقامة نظام سوري جديد حليف لتركيا في المنطقة العربية. وفضلا عن ذلك تحققت أهم الأهداف المتعلقة بالميزان الديموغرافي على الأرض، وذلك بتهجير ملايين السنة من سوريا، وقتل مئات الآلاف، وإيقاف معدل النمو السكاني مع قتل الأطفال، وبطالة عشرات الآلاف وتشتت الأسر وتأجيل الزواجات.
والآن لم يبق إلا إقامة نظام سياسي ضعيف وقائم على المحاصصة الطائفية، وحتى يستمر هذا المشروع، من مصلحة الولايات المتحدة دعم تنظيم الدولة وإبقاؤه في حالة تسمح له بشن هجمات شرسة ومباغتة على الطرفين «المعارضة المسلحة والنظام السوري» لإنهاكهما وهما في حالة هدنة، وجعل أجندتهما تتوحد وتقترب شيئا فشيئا. لكن الخطر الوحيد الذي يحيط بالعملية الانتقالية التي تديرها روسيا وإيران وتركيا مع عين الرضى الأمريكية، تهدف في الأساس إلى نزع سلاح المعارضة ودمجها في جيش النظام تحت شعار «إعادة هيكلة الجيش الوطني»، ويبدو أن هذه الهيكلة لن تختلف كثيرا عن هيكلة الجيش الوطني الليبي الذي استوعب صغار الثوار كمجندين، وإقصاء قادة الميليشيات والضباط المنشقين، وتسليم قيادة الجيش لمجموعة مدجنة تتماهى أجندتها مع أجندة القوى الغربية. ذلك باعتقادي أهم خطوة ساهمت في تفجير المشهد السياسي الليبي وإعاقة المرحلة الانتقالية. الآن ليست الثورة السورية وحدها في خطر وحسب، بل مستقبل البلد برمته أصبح بيد قوى خارجية ترسم سياسته بعيدا عن آمال وتطلعات شعبه. وتهدف لعزل القوى السياسية عن المعارضة المسلحة، مع نزع المعارضة المسلحة عن حاضنتها الشعبية التي طال عليها الأمد. ومما يزيد الوضع تعقيدا هو عدم تناغم قادة الفصائل المسلحة وتحجيم دور حلفاء الثورة السورية؛ مما يجعل قوى المعارضة السياسية مكشوفة وبدون أوراق ترمي بها في حلبة العملية السياسية الجديدة. سوريا مقبلة على شرخ سياسي كبير؛ إما مع العملية السياسية المدجنة وإما مع الإرهاب، فمع وجود تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض وتشرذم قوى المعارضة المسلحة وانفصال القوى السياسية عن الشعب السوري والسماح لإيران وحزب الله بدعم نظام بشار الأسد سنكون أمام عملية سياسية جديدة لا تكاد تختلف كثيرا عن العملية السياسية العراقية التي كانت نسخة مكررة للعملية السياسية اللبنانية.
fayed.a@makkahnp.com