أهل الذمة.. حكم تهنئتهم بأعيادهم!
الخميس / 7 / ربيع الثاني / 1438 هـ - 22:45 - الخميس 5 يناير 2017 22:45
ابتدأ الشيخ شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية والشهير «بابن القيم الجوزية»، والمتوفى سنة 751هـ كتابه «أحكام أهل الذمة» بفصول متعددة عن الجزية في أحكامها وتقسيماتها، والتي ناقشها بإسهاب وتوسع، وأجرى عليها مناورات ونظريات أخذت على عاتقها أربعة وثمانين فصلا، وهو الجزء الأكبر الذي تناوله الكتاب، والجزئية التي توضح معالم الرؤية عند المؤلف إلى حد قريب، وبعد ذلك، يأتي ويخصص فصلا عنوانه «في تهنئتهم».
يقول في مستهل هذا الفصل وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول «عيد مبارك عليك ونحوه، فهذا إن سلم (قائله من الكفر) فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه»، (84/441).
لقد كان عصر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عصرا مليئا بالحروب وتوتر العلاقات، ففي ذلك الحين، أي تهاون يعني الرضا والخضوع للمحتل. لا أبرر لابن تيمية وتلميذه، ولكن إن سلمنا بهذه الحقائق، سينتج بالطبع نتيجة إيجابية، هدفها -اختلاف- النظرة والمفاهيم لبعض مقولات التراث واجتهاداتهم.
لكل اختيار فقهي ظروفه المواتية، فالفتوى قد تتغير حسب الزمان والمكان، عكس الأحكام -قطعية- الثبوت والدلالة، فهي صالحة لكل الأزمنة والأمكنة، وهذا ما يدون الفرق بين الأحكام القطية الثابتة والفتاوى. فالأولى هي ما جاءت بدليل صريح من القرآن الكريم أو السنة المتواترة، أما الثانية، فهي كامنة في اجتهادات البشر التي قد تخطئ وتصيب، وقد تصلح لزماننا ولا تصلح لغيره، وهنا يكمن الفرق بين القطعي والمتغير.
إن تهنئة المسيحيين في أعيادهم لا تعني اعتناق عقيدتهم، أو الرضا بما يفعلون، بل هي مجرد تهنئة، غرضها التعايش السلمي، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود. يقول تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا في إخراجكم أن تولوهم ومن يولهم فأولئك هم الظالمون (9).
من الواضح في ظاهر الآيات الكريمة، فرق بين الود والبر، وبين اتخاذهم أولياء، فالنهي جاء عن مولاتهم، وأيضا بشروط (قاتلوكم، وظاهروا في إخراجكم) وليس النهي لمودتهم وبرهم، إذن، لا بد من اختيار فقهي يحفظ للناس تماسكهم وتعايشهم. إننا بحاجة إلى خطاب التحرر من أسار القراءات السائدة، واستئناف النظر لمعطيات تحقيق السلم الاجتماعي والتعايش السلمي، وهذا لا يتحقق إلا بالتنظير العقلاني في تكريس تصورات وآراء، تحمل معالم جديدة وحضارية تتناسب مع العصر ومقتضياته.
إن هذه القضية قضية مهمة وحساسة، خاصة للمسلمين المقيمين في بلاد الغرب، فهم يعايشون أهلها من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل والرفقة في العمل، وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة مثل المشرف الذي يساعد طلابه المسلمين بإخلاص، والطبيب الذي يعالجهم بإخلاص، وغيرهما، وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، ويقول الشاعر: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان.