الرأي

على حافة الألم

مها الحريب
أشعر بالفزع حين أصاب بالبرد أو بأي ألم عارض، وكنت أرى حولي من يشاطرني هذا الشعور من صديقاتي وإن كنت لا أشاركهن الإعلان عن مرضهن عبر السناب شات وتصوير الأدوية، و»التحلطم» كما يقال بالعامية. وجدت أن الأمراض العابرة والبسيطة تجعلنا نشتكي ونسرف في الحديث عما يعترينا من أعراض وآلام بمجرد حدوثها رغم يقيننا بأنها ليست خطيرة، ومع علمنا التام أنها تحتاج لبعض المسكنات والراحة ثم لا نلبث أن نتعافى منها تماما. في أحد الأيام قادتني الصدفة، لا ليست صدفة بل هي إرادة الله الذي أراني بأم عيني كيف يفقد إنسان الحركة بمرض مزمن لا شفاء منه ويكون غير قادر على المشي وممارسة النشاطات الطبيعة مع سلسلة طويلة من الأعراض التي سببها المرض الرئيس، ورغم ذلك ممتن لله ويرى أن هناك من هو أسوأ منه، ويبتسم بسعادة ودون ضجر من مرضه المؤلم، ويحمد الله أنه قادر على تحريك يديه والتعبير بلسانه، فيما غيره حرم نعمة الكلام واليدين. تخونني الكلمات حين أسترجع ذاك المشهد بتفاصيله الموجعة، فلا يمكن أن أنسى والدة ذلك المريض التي لو طلب مني أن أصف حياتها لقلت إنها فصول طويلة من العوز والفقد والمرض. هذه الأم الصابرة فقدت ابنتين في عمر الزهور بالمرض نفسه الذي أصاب ابنها، وتراقبه بقلب مفطور وهو يذبل أمام عينيها شيئا فشيئا، فتتجدد الجراح بتذكر معاناة اختيه ووفاتهما. ليس ذلك فحسب بل تفتقد السعادة التي تنعم بها الأمهات وهن يراقبن أطفالهن وهم يكبرون وتكبر أحلامهم معهم. وبين طفل مريض وزوج أقعده الحزن عن العمل، تجدها صامدة تلهج بالشكر لله، ولباس الصبر والرضا يكسوها ويكسو عباراتها. أسأل الرحمن الرحيم أن يمسح على قلبها وقلب زوجها بلطفه ويشفي ابنها بقدرته. الحقيقة أن قصتها المؤلمة درس لكل من غفل عن شكر نعم الله، ولكل من تعود أن يتضجر ويتبرم لأتفه عارض صحي بسيط أو أي أمر عابر يعكر حياته، خرجت من عندها وأنا أتمتم في خجل: يا الله سامحني على كل لحظة تبرمت فيها أو سخطت على أي أمر أصابني، ودعوته أن يجعلني من القليل الذين قال عنهم (وقليل من عبادي الشكور).