الرأي

حيدر الأحساء.. في الطائف الأدبي

مكيون

فاتن محمد حسين
الأربعاء 29/‏‏3/‏‏1438هـ كانت المرة الأولى التي أحضر فيها أمسية في نادي الطائف الأدبي بالرغم من شهرته الواسعة في تقديم برامج أدبية وثقافية مميزة، من أمسيات قصصية وشعرية، ولقاءات، ومداولات فكرية متنوعة. فقد تخيلت أن هذه الأمسية ستكون استثنائية، كيف لا والضيف هو (حيدر العبدالله) الذي توج في عام 2013م ببردة شاعر شباب عكاظ في موسمها السابع، وتوج بلقب بردة أمير الشعراء في عام 2015م في دبي.. بل حقيقة أن قصيدته (مخطوطة القرى والظلال) التي ألقاها في حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في المنطقة الشرقية، قد طبقت شهرتها الآفاق لما أثارته من جدل واسع بين كافة أطياف المجتمع!! وبالرغم عن كل ما أثير حولها، فستظل من أجمل القصائد في حب الوطن وحب المليك وحب الأمراء الثلاثة الذين وصفهم بصفات تليق بمقاماتهم وإنجازاتهم. ولكن للأسف ألفنا التقليدية في الإلقاء للشعر، وحينما جاء من يبدع لونا آخر.. استهجناه، فما استخدم فيها من بناء لغوي في الشعر الموزون، وقافية نونية واستحضار مقابلات ومقارنات وصفية متنوعة، في التضاد، والتكامل، والإثبات والنفي، قد أعطى جماليات بلاغية للنص. والحقيقة كانت الأمسية رائعة، فالإخراج للأمسية خرج من عباءة التقليدية إلى الإبداعية، فالافتتاحية للأمسية عزف على القانون من المبدع (مدني عبادي).. والتقديم من مدير الأمسية (علي الرفاعي) أضفى هالة من فواصل البهاء.. وكأن الشعر أبى إلا أن يكون حاضرا في كل وصلات معزوفة التميز.. ورئيس النادي (عطا الله الجعيد) كان الخط الرابع الموازي في أمسية الإبداع، بل حضر الفيلم الوثائقي وفانتازيا الأضواء. وأما ضيف الأمسية (حيدر العبدالله) - وبصرف النظر عن غياب بعض المثقفين - فقد استقطب جمهورا واسعا، فقد امتلأت القاعة النسائية وبلغ إجمالي الحضور أكثر من 400 شخص.. حتى شاركت الدوريات الأمنية في تنظيم الحشد.. وربما هي المرة الأولى التي نشاهد حضور يافعي السن في أمسية شعرية، وهذا بحد ذاته خطوة تحسب لنادي الطائف الأدبي في استقطابه للشباب كشخصيات يعول عليها في المشهد الثقافي الأدبي المستقبلي، فكم من هؤلاء الشباب ستبهره هذه الشخصية.. وكم من هؤلاء ممن لديهم مواهب إبداعية تستهويهم التجربة والأضواء في إبراز مواهبهم وانطلاقهم في مجالات أدبية وثقافية متنوعة، وكم من هؤلاء سيكون حيدر العبدالله أنموذجا أدبيا راقيا لهم، بدلا من النماذج التافهة في مواقع التواصل الاجتماعي التي يقلدها البعض حبا للظهور وللهالة الإعلامية الفارغة المضمون والمحتوى، لذا نتمنى أن تحذو الأندية الأدبية حذو هذه الخطوة الرائدة في استقطاب الشباب بشخصيات شبابية مبدعة. حقيقة إن شخصية الشاعر فعلا قد اكتسبت المرونة في الأداء والعذوبة في الصوت من بيئته الحساوية الغنية بآبارها، وواحاتها، ونخيلها، بل أزعم أن صوته يزيد من جمال قصائده التي يعبر عنها بأحاسيس مفعمة بالمشاعر، كما في قصيدته التي ألقاها للمرابطين على الحدود، والتي قال في مطلعها: وجه لا تستر الكف احمراره.. قبلته الشمس فاشتد حرارة... بامتداد الرمل هذا الوجه.. لا جغرافية ولا فيه حجارة يقطر الضوء على بشرته.. فتزيد الضوء عمقا وغزارة فقد أعطى صوته لونا مميزا على القصيدة. وقد أحسن صنعا حينما أرفق مع ديوانه الشعري (ترجل يا حصان) CD صوتيا لكل القصائد لإضفاء مزيد من البهاء والجمال على قصائده. وفي قصيدته (جمجمة تلمع كالإبريق) والتي فاقت كل الصور البلاغية لقصة عشق وخيالات واسعة، وشخوص لمحبوبين ربما انتحرا بعد انهزام الشوق.. أبيات تظهر مشاعر الحزن، والأسى، والدموع والحيرة.. وهكذا جميع قصائده تعبر عن عاطفة جياشة، وجمال السرد، وبذاخة المعاني، وروعة الخيال. أخيرا لا بد من القول إن النقد البناء لأي عمل هو ظاهرة صحية مقبولة، ولكن أي تجاوز على شخص الشاعر في مواقع التواصل فلا بد من الملاحقة الأمنية القانونية للمتجاوزين حسب رؤية المملكة 2030م، والتي تقوم على ضبط السلوكيات الخاطئة في المواقع الالكترونية، وتجريم كل من يتعدى على الآخرين ويسيء لهم، ومع ذلك فلرب ضارة نافعة، فإن تلك الجدلية قد أكسبته شهرته وذاع صيته لآفاق، فهنيئا لمن أضحى متنبي زمانه.