الرأي

عن الشيعة والسنة أتحدث

سليمان الضحيان
لا يخفى على أي مراقب محايد اليوم أن واقعنا العربي والإسلامي يعاني من انقسام طائفي حاد ضرب كل وشائج العلاقة بين المنتسبين لمذهبي السنة والشيعة، وليست العقائد المذهبية سببا في حدوث هذا الانقسام؛ إذ إن تلك العقائد كانت موجودة منذ مئات السنين. وقد استطاع أتباع المذهبين التعايش مع وجود الخلاف العقدي بينهما، والمتهم الرئيس بهذا الانقسام الطائفي الحاد هو (السياسة)، فمنذ سقوط العراق باحتلال أمريكي بدأت ظاهرة الطائفية بالتصاعد، فقد ابتليت الطائفة الشيعية في العراق بسياسيين حركيين من أتباع الحركات الإسلامية الشيعية قادوا السلطة في العراق بعقلية انتقامية، وكان بمقدورهم قيادة العراق نحو الاستقلال والرفاهية والديمقراطية، لكنهم غلبوا انتماءهم الطائفي على الانتماء الوطني. وقابل هذا صعود حركات سنية طائفية متطرفة ممثلة بالقاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، ثم تنظيم داعش الذي نقل الاحتقان الطائفي إلى مداه الواسع باحتلال نصف العراق وحكمه حكما طائفيا دمويا. وصاحب ذلك كله انخراط المليشيات الشيعية في القتال ضد أهل السنة في سوريا، فقد انخرط طيف واسع من الحركات العسكرية الشيعية في حرب سوريا كحزب الله وبعض المليشيات العراقية والأفغانية، ومن ورائهم كتائب عسكرية إيرانية رسمية تقاتل بأمر الولي الفقيه النائب عن الإمام الثاني عشر للشيعة، وهو الإمام المنتظر للطائفة، وآخر نتائج هذه الحرب سقوط حلب. وهذه الحرب في سوريا ارتسمت في المخيال الشعبي السني بأنها تحالف بين الشيعة الإمامية والمسيحيين الأرثوذكس الروس لسحق أهل السنة في الشام، وستظل هذه الصورة لأجيال لاحقة، وما زال الانقسام الطائفي يتجذر، ويزداد مع ازدياد بؤر التوتر في الشام والعراق ولبنان واليمن، فأي مستقبل ينتظره عالمنا العربي والإسلامي بعد هذا السعار الطائفي الذي ما زال يتصاعد؟، وما السبيل لمعالجة هذا الواقع؟ أدرك أن كل حديث يقوله السياسيون والمثقفون وعلماء الدين عن التسامح والتعايش في ظل الدماء التي ما زالت تراق هو مجرد كلام لا قيمة له، وأخشى أن قدرنا في هذه البقعة من العالم أن يصلنا قطار الصراع الطائفي الدامي الذي مر بتاريخ أوروبا، فقد بقيت الاضطرابات الطائفية في أوروبا قرونا، فقد اجتاحت الحرب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت التي عرفت بحرب الثلاثين عاما 1618-1648م أوروبا كلها، وقضت على ثلث سكان ألمانيا، وقبلها بنصف قرن تقريبا حدثت المذبحة المروعة للبروتستانت في فرنسا، وهي مذبحة سانت بارتيليمي التي حدثت عام 1572م؛ حيث ذبح 30 ألف بروتستانتي، ذبحتهم كتائب الكاثوليك المتعصبين بمباركة من بابا روما آنذاك غريغوري الثالث عشر، حيث قال حينما وصله الخبر قولته المشهورة: «اليوم انتصر الدين الصحيح على الكفر والزندقة»، وأمر بضرب أجراس الكنائس فرحا واستبشارا، وانتشر الخبر في جميع المدن الفرنسية، وهذا ما دفع بالكاثوليك في تلك المدن إلى الهجوم على منازل ومزارع البروتستانت وذبحهم وتشريدهم. وقد قدر المؤرخون عدد الفارين منهم من فرنسا بثلاثمائة ألف بروتستانتي، وربما أن الواقع العالمي اليوم قد يحول دون تكرر هذا التاريخ في عالمنا العربي والإسلامي بحذافيره، لكن قد يتكرر بصورة أخرى، فقد تحققت مقدماته، وذلك بانخراط المليشيات الشيعية (حزب الله، والكتائب العراقية والأفغانية والإيرانية) بسفك دماء أهل السنة في سوريا، وانخراط المليشيات السنية المتطرفة (القاعدة، وداعش) بسفك دماء الشيعة في العراق، ومن وراء ذلك كله جماهير تشحن بخطابات طائفية، فكيف السبيل للحيلولة دون سقوط مجتمعاتنا برمتها في الفتنة الطائفية التي لن يكون فيها رابح؟ أحسب أن الخطوة الأولية لتفادي هذا أن تقوم المرجعيات الدينية بإصدار وثيقة مشتركة تتبرأ بها من المليشيات التي تحترف العنف الطائفي؛ حتى لا تتحمل الطائفة كلها وزر ما يحدث، ولتظل جريرة العنف الذي تمارسه تلك المليشيات من دون غطاء ديني، فمن الجناية العظمى أن تظل المرجعيات الدينية ساكتة عن الهوس الطائفي الدامي الذي تقوم به تلك المليشيات تحت شعارات دينية طائفية، فالصمت عن مثل هذا الواقع جريمة قد تكون آثارها مدمرة في قابل الأيام. aldahian.s@makkahnp.com