الرأي

الكتابة بإصبع واحدة

دبس الرمان

هبة قاضي
يلتصق بي حاسوبي الآلي كما التوأم السيامي، فهو يرافقني في الذهاب والرواح، وفي المكتب وفي المقهى، وفي كل مكان. فما بين العمل والكتابة وجب تواجده في متناول اليد في حال طارئ في العمل يستدعي الفورية، أو هجمة فكرة أو خاطرة إلهامية. اعتدته وألفته حتى جاء يوم ونسيته في مكان ما، ولم أستطع الوصول إليه يومين أو ثلاثة (فترة نهاية الأسبوع). حسنا ماذا أفعل الآن في أمور العمل التي كنت أستطيع أن أنجزها خلال هذا الوقت؟ وماذا أفعل في فيديوهات ومواقع ومدونات كان باستطاعتي تصفحها خلال هذا الوقت؟ والأدهى والأمر كيف سأكتب مقالي الذي يجب علي تسليمه للنشر في اليوم التالي؟ جعلني هذا الموقف أقف فجأة أمام واقع ارتباطنا وتعلقنا بالأشياء بطريقة مبالغ فيها. فالعمل يمكن أن ينتظر لبداية الأسبوع حيث وقته المناسب، والمواقع والفيديوهات والمدونات بإمكانها الانتظار، أو يمكننا العودة إليها في وقت لاحق بدون القلق بأن شيئا ما فاتنا، ولكن ماذا عن الكتابة؟ وماذا عن موعد التسليم؟ والسؤال الأصعب: ماذا عن إلهام أو فكرة ربما تطير ولا سبيل لاصطيادها مره ثانية؟ لوهلة وجدت نفسي أقرر عدم كتابة المقال، وأقرر أن الفكرة كما حطت في هذا اليوم، فستعود لتحط في يوم ثان أكون فيه مستعدة بجهازي وقمة ارتياحي لكتابتها بسرعتي المعتادة وطقوسي التي ألفتها، لأجد نفسي تعود فجأة وهي تصرخ في عناد (بل سأكتب). تذكرت زمنا كان الناس يدقون فيه على الحجر، وزمنا آخر كان الناس يسلخون الجلود ويصنعون الحبر، وزمنا كانت تكتب فيه المسودات عشرات المرات حتى تظهر في شكلها النهائي بدون أخطاء. وهنا قررت أنني سأكتب المقال في جوالي، ورغم أنني من النوع البطيء في الكتابة في الجوال، ورغم أنني من الذين يكتبون بإصبع واحدة، إلا أنني لم أهتم. نعم سأكتب بإصبع واحدة لأتحدى عادات سيئة تملكتنا وأسرتنا في حدودها، سأكتب بإصبع واحدة لأثبت لنفسي وللآخرين أن غياب التكنولوجيا لا يعني غيابنا، وأن انقطاعها لا يعني انقطاعنا، وأن المشي على قدميك حين تتعطل سيارتك فرصة للعودة إلى طبيعتك الأولى وتمرين جهازك الحركي، وإن غياب برنامجك الذي تصمم عليه فرصة لعودتك لورقة بيضاء وألوان خشبية أو مائية تلطخ أصابعك. نعم سأكتب هذا المقال بإصبع واحدة وفي المرة القادمة بالقلم، وبعدها ربما بالريشة لأحرر نفسي من أسر رفاهية البساطة في كل شيء، ولأكتشف طرقا جديدة لفعل الأشياء ربما أصعب ولكن أجمل. heba.q@makkahnp.com