خطب الجمعة
السبت / 25 / ربيع الأول / 1438 هـ - 09:15 - السبت 24 ديسمبر 2016 09:15
دار ابتلاء
«لم يجعل الله تعالى الدنيا مقرا دائما لعباده، ولا دار نعيم لأوليائه؛ ولكنه أرادها بحكمته دار ابتلاء واختبار، يمحص عباده فيها بالبلايا، ويختبرهم بالمحن والرزايا، وما من مؤمن بالله واليوم الآخر، إلا كان له نصيب من الابتلاء، لذا كان الأنبياء عليهم السلام، مع ما هم فيه من البلاء، أشرح الناس صدرا، وأعظمهم تفاؤلا، فخليل رب العالمين، إبراهيم عليه السلام، لما ألقي في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا كليم الله موسى عليه السلام، حصر مع قومه، بين بحر متلاطم وعدو غاشم، فقال أصحابه: (إنا لمدركون)، قال كلا إن معي ربي سيهدين، ولما فقد يعقوب عليه السلام أحب أبنائه إليه، قال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وأما نبينا صلوات ربي وسلامه عليه، فقد لقي من البلاء ما لقي، آذاه قومه، وطردوه من بلده، وتآمروا على قتله، فكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صبرا، وأحسنهم بالله ظنا، فالكروب لا تنفرج إلا بالتوحيد، فكان صلى الله عليه وسلم حال حصارهم بالمدينة في غزوة الأحزاب يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده.
أما المنافقون الذين في قلوبهم مرض، فحالهم كما هو في كل زمان ومكان، يرجفون ويخذلون، لينشروا الخوف والضعف في صفوف المؤمنين. والمسلمون اليوم أحوج ما يكونون إلى الوقوف بحزم وعزم، أمام كل ما يهدد استقرارهم، أو يعتدي على مقدساتهم، أو يسبب الفرقة بينهم، وما أحوجهم إلى التعاضد مع قادتهم وولاة أمرهم، لتجتمع كلمتهم، ويقفوا صفا واحدا أمام عدوهم، وصدق الله إذ يقول (ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)».
ماهر المعيقلي - الحرم المكي
عز المسلمين
«أوجب الله حج البيت والطواف به، وجعله قبلة لعباده المؤمنين، والصلاة فيه بمئة ألف صلاة، وثاني المساجد فضلا مسجده عليه الصلاة والسلام، مسجد أسس على التقوى من أول يوم، وصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وهو آخر مسجد بناه نبي، والمسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله، وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وإلى هذه المساجد الثلاثة تشد الرحال دون سواها، وليس في الأرض مسجد له مزيد فضل سوى الثلاثة المساجد ومسجد قباء، وما سوى ذلك فلها حكم سائر المساجد، وأول واجب على العبد إخلاص الدين لله وألا يدعو في المساجد إلا الله، وهي محل انتفاع الأحياء بها، وإدخال القبور فيها ينافي ذلك ووسيلة لعبادة غير الله، والمعصية قبيحة في كل زمان ومكان، وتزداد قبحا في بيوت الله، والمساجد عز المسلمين وشرفهم وشعار دينهم، ومن عمرها بالصلاة فيها والذكر رفعه الله وأسعده وشرح صدره، وتعليم الكتاب والسنة فيها امتثال لأمر الله ببنائها وإحياء لسنة المرسلين فيها، وبركة في الوقت والعمل وصلاح للنفس والولد، ومن حرم ما فيها من الخير وصد عنه فقد فاته خير عظيم».
عبدالمحسن القاسم - الحرم النبوي