أبراج من بشر
دبس الرمان
الثلاثاء / 21 / ربيع الأول / 1438 هـ - 20:00 - الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 20:00
أخذت أراقب في اندهاش وانبهار تلك المجموعة من البشر تتراص بجانب بعضها البعض في طبقات متتالية فوق بعضهم البعض بفن واحترافية صانع حلويات ماهر يصنع حلوى الترافل الشهيرة. توتري يزداد وأنا أرى البرج يرتفع بتسلق المزيد من الأشخاص على أكتاف الآخرين في طريقهم للأعلى. ثم ستبدأ تلاحظ أن أعمار الصاعدين للأعلى تبدأ في التراجع بسبب أوزانهم الأقل ومرونتهم الأعلى حتى يقف على رأس البرج طفل أو طفلة صغيرة معلنة الفوز، ويبدأ من فوره في النزول ومن ثم الآخرين في طبقات متتالية في تناغم وتجانس عجيبين ليجتمع الجميع في القاعدة بفرح شديد احتفالا بالإنجاز.
البرج البشري هو عبارة عن تقليد إسباني قديم يمارس في مدينة طراغونة بأقليم كاتلونيا بشرق إسبانيا. يصل عدد المشاركين في هذا التقليد إلى خمسمئة فرقة تضم الرجال والنساء والأطفال الذين يتنافسون لبناء أبراج يصل طولها إلى عشر مستويات في بعض الأحيان، ويمتد ارتفاعها إلى نحو خمسة عشر مترا. يتم احتساب الفوز بناء على ارتفاع البرج وتقنية بنائه. وقد تم تصنيف هذه المسابقة في منظمة اليونسكو ضمن روائع التراث الشعبي العالمي. بجانب كل هذا هناك شيء لاحظته في بناء هذه الأبراج والذي جعلني فورا أربطه ببناء أي شيء ناجح في حياتنا العادية. فقد لاحظت أن قاعدة البرج ترتكز بأشخاص أقوياء البنية الجسدية، بالإضافة إلى كبر أعمارهم وبالتالي سعة خبرتهم في المجال وتمكنهم منه. وأن الطبقات التالية من البشر مكونة من شباب وشابات يضعون حياتهم على المحك ثقة فيمن قبلهم، ويرتكزون في وقوفهم على أكتاف الأكثر عمرا وخبرة. ثم يبدأ الأطفال في تسلق المخضرمين ومن ثم الشباب ومن ثم اليافعين في جرأة واندفاع ورشاقة وسرعة للوصول إلى رأس البرج لتحقيق الهدف ومن ثم أيضا السرعة والخفة في النزول.
ترى أوليست هذه التقنية عبارة عن وصفة أصيلة ومجربة لكيفية الإنجاز، التحقيق، والريادة في ممارسات الحياة؟ أولسنا في كل مرحلة من حياتنا نحتاج أن نكون ضمن منظومة بشرية من التكاتف والتعاضد والتكامل لنستطيع تحقيق أعظم الأثر وأبقاه؟ أو ليست الإنجازات العظيمة بحاجة لقاعدة من الحكمة والتجارب الحقيقية التي يمتلكها المخضرمون، ومن ثم بحاجة إلى همة الشباب وحماسهم وأفكارهم المتماشية مع زمانهم لتنطلق نحو تحقيق الاستباقية والجديد لصنع رؤى المستقبل؟ ثم أولسنا جميعا مطالبين بالتسخر بالإرشاد والتوجيه والمشاركة والترائي مع الأطفال لإعدادهم لإكمال البناء بأحدث الوسائل؟ لينظر كل منا حوله وليسائل طريقة حياته وفكر التطوير فيها، فربما يدرك لماذا هو عالق في إحدى طبقات البرج بدون تقدم منذ سنين!