حلب.. مشان الله!
الاثنين / 20 / ربيع الأول / 1438 هـ - 20:45 - الاثنين 19 ديسمبر 2016 20:45
«مشان الله».. يرددها بلهجة سوريا الأبية، برجاء خاص تلفظه روحه وهي على حافة الموت، يقصد بذلك «من أجل الله لا تقتلني»، من أجل الله رجاء عله يزلزل قلوبهم القاسية.
«مشان الله» .. كم من شاب رددها برجاء الحياة قبل أن تغتاله رصاصة توقف قلبه! كم من طفل رددها وهو يحتضن جسد والديه يتوسل إليهما أن يستيقظا من نومهما الأبدي! وكم من فتاة مصونة رددتها خوفا من أعينهم المتربصة قبل الاعتداء عليها! وكم من أم وأب صرخا بحرقة بها على فلذات أكبادهما وهم تحت الأنقاض.. كل تلك النداءات وأكثر في حلب ولا مجيب لها!
هكذا هي باختصار مشاهد الحياة اليومية في حلب، بشاعة الميليشيات التابعة للنظام حولت حلب مدينة التاريخ والحضارات إلى مدينة الموت! حلب المدينة العريقة التي قاومت على مر التاريخ البابليين والآشوريين والفرس وغيرهم وما زالت إلى اليوم تقاوم! حلب التي كانت تشهد أعظم ازدهار لها في عهد العثمانيين، وكانت المدينة الثانية للتجارة بين بلاد الشرق والغرب! حلب التي وصفها عدد من المؤرخين ممن تعاقبوا على زيارتها عبر العصور بأنها مولد التاريخ، مع الأسف كل هذا شوهته ملامح الحرب وعاثت بأسوارها العتيقة صواريخ الدمار والقصف، ولم يعد لقول ابن بطوطة «إنها من أعز البلدان التي لا نظير لها في حسن الوصف، وإتقان الترتيب واتساع الأسواق وانتظامها» أي أثر لذلك الوصف!
فمن تجول في أزقة أحيائها ومتاجرها القديمة قبل الحرب يدرك الوجع الذي ينطق به أحد سكانها ممن بقي متشبثا بالحياة البسيطة وبدكانه الصغير في أحد أزقة المدينة بقوله: إن روائح قذائف الهاون والبراميل المفخخة طغت على رائحة الغار والزعتر الحلبي اللذين تشتهر بهما الشهباء.
ورغم ذلك ما زال سكانها الأبرياء يصيحون عتبا ويتعرضون لظلم العالم وافتراء منظمات حقوق الإنسان وكثرة الاجتماعات الطارئة، وما زال الجانب الآخر يتجول في شوارع حلب من أجل الدمار، من أجل أن يسيل دما ويدمي جرحا، وكأن وجع الفقد وأنين الثكالى وصيحات الجرحى الأبرياء على مدى خمس سنوات لا تكفيهم.
يا رب انتصر لحلب أرددها.. ويرددها كثيرون، كلما شاهدنا المآسي والمشاهد الدامية التي تنقل لنا، والتي تتسابق القنوات الإخبارية للفوز ببثها أولا، ومع ذلك أنا على يقين بأن هناك وجعا أعظم في حلب لم تصل إليه عدسات الكاميرا.