الرأي

حلب.. تغير العالم ولم نتغير!

عبدالعزيز الخضر
مرت أيام حزينة على عالمنا العربي المهموم بسنوات تغيير بلا أفق. كانت ليلة الأربعاء مثقلة بالصور المؤلمة، وارتفعت مع طلوع الفجر أصوات أدعية القنوت في المساجد ومنها الحرم المكي، وتفاعلت مع تطور الأحداث مواقع التواصل بأكثر من وسم #حلب_تباد، #إباده_حلب، وانتشرت بعض المقاطع التي تنقل بعض ما حدث من قصف ومجازر على يد قوات نظام بشار وميليشيا طائفية. حصار طويل وتدخل روسي وإيراني مستمر بانتهاكه للمواثيق الدولية.. ومع ذلك لم يجابه إلا بتنديدات وتصريحات مبعثرة من منظمات عالمية وجهات ودول غربية وعربية. شهدت منطقتنا العديد من الحروب والكوارث، وقد يكون البعض تدرب على سيناريو ردود الفعل منذ بدايته إلى نهايته.. إلى مرحلة تكدسه في ذاكرة مزدحمة بالأحداث والمآسي، ليتظاهر بعضهم بالحكمة والوعي الذي لا يخلو من شماتة، فيستكثر على الإنسان العربي بضع ساعات يحزن فيها ويعبر فيها عن تضامنه مع الضحايا، وقد يحتج أحدهم بأن هذا الضجيج سيتلاشى ويمر الحدث كما مر غيره، وكأن من شروط التفاعل والشعور بالألم أن يكون مستديما، وعويلا أبديا، فهناك وقت للحزن والتعاطف والإغاثة، ووقت آخر للعمل ووقت آخر للتحليل السياسي والفكري. جاء الحزن العربي هذه المرة مصحوبا بمرارة من نوع مختلف عن كل أحزاننا العربية التي تسببت فيها الأنظمة العسكرية لهذه المنطقة منذ الخمسينات، فقد فاق نظام الأسد في تدميره، وسماحه للتدخل الأجنبي خيال الإنسان العربي لتصور حدود الطغيان، وأن مسألة التضحية بمصير الشعب من أجل بقائه وطائفته بالسلطة ليست مجرد مبالغات كلامية، فمنذ عام 2012، لم يترك نظام الأسد لأسوأ الاحتمالات مكانا لانتظارها.. فقد حدث كل شيء، حتى جاء الزمن الذي يشمت فيه مندوب العدو الإسرائيلي في الأمم المتحدة، ويتظاهر بأنه حملا وديعا، فينتقد: إلقاء جيش النظام السوري البراميل المتفجرة على الشعب السوري وقتله الأطفال والنساء والشيوخ، وأنه لا يوجد مقارنة حول الجولان المحتلة قبل الحرب ولا بعد الحرب في سوريا. العالم يتغير باستمرار، ويستعد لمراحل أخرى يعاد فيها ترتيب قوى المنطقة، ولا تزال نوعية ردود الفعل العربية تجتر عالما قديما، ويبدو ذلك واضحا من استمرار التغاضي الدولي عن إيران بالتمدد وابتلاع سوريا بعد العراق. ليس الخطورة في هذه الفوضى التي تحدث عدم فهمها، وإنما وجود فهم آخر لا نريده، ولا نرغب أن يكون هو الواقع، حيث لا نجيد إلا توزيع اللوم على دول وزعماء ومنظمات عالمية هي في طور التغيير تتأثر وتؤثر مثل غيرها، وقد يتحول الدفاع عن الكيانات الصغرى في عالم اليوم إلى مقاولات عسكرية تستفيد منها دول أكبر، عبر تحالفات مدفوعة التكاليف، على حساب تهميش منظمات دولية ساهمت في استقرار العالم خلال القرن الماضي. لا يصلح مقارنة الحالة السورية بغيرها من أزمات العالم العربي، فهي ليست حربا بين نظام عسكري وجماعات مسلحة على الطريقة الجزائرية، وليست حربا تقليدية بين دولتين جارتين، وإنما شعب عربي تابع العالم بدايات ثورته على نظام طائفي حكم بالحديد والنار خلال أربعة عقود، وبعد ستة أشهر من حراكه السلمي في بدايات المطالبة بالتغيير كان النظام يواجه ذلك بمختلف أساليب العنف والقتل، ولم يقدم أي محاولة تصحيح أو يسمح لأي مبادرة سياسية خارجية لتهدئة الأوضاع، ومعالجتها بالحوار. لقد كان واضحا أن النظام يريدها مسلحة فهي لغته الوحيدة ضد شعب أعزل، وبدأ هو بعسكرتها، وأخرج من سجونه من يقوم بهذه المهمة، وعندما تطورت المواجهات، كان النظام على وشك السقوط، لكن التدخل الإيراني ثم الروسي المباشر أجهض التغيير، وساهم في قتل الشعب وتدمير كل شيء، وبالمقابل كانت مساعدات الأطراف الأخرى محدودة ومترددة، مع ضعف دولي في إيقاف هذه التدخلات الصريحة. لقد حدث التدخل الأجنبي من طرف واحد لانتشال نظام آيل للسقوط. كل أحداث وتطورات الحالة السورية تؤكد أن عالمنا يتغير، فالنظام أحادي القطب الذي ظهر في التسعينات بعد سقوط الاتحادي السوفيتي، ولم يكن مرغوبا به حينها ليس له أثر اليوم، مع حالة الانكفاء الأمريكية، ما لم تصححها المرحلة الترامبية، فمع كل عيوب القطب الواحد فقد كان هناك شعور عام بأهمية وجود شرطي تدخل في العالم، وقد شاهدنا أثره في حرب تحرير الكويت ثم أحداث البوسنة. لقد أصبح كل شيء ممكنا اليوم، فالنظام الدولي لم يعد كافيا للشعور بالاستقرار، فأي تناقض بمصالح دول كبيرة يكفي للتضحية باستقرار شعوب متوسطة العدد، والتي لا تؤثر كثيرا في السلم الدولي، ولا تؤدي إلى حروب عالمية يصعب السيطرة عليها. إن طول الأزمة السورية واللامبالاة الدولية بتحركات حقيقية وقدرة العالم على الفرجة بأقصى ما وصلت إليه تكنولوجيا الصورة والنقل.. أكلت ما تبقى من رصيد لثقة الشعوب بالنظام الدولي ومؤسساته. alkhedr.a@makkahnp.com