الرأي

قلوب تفتح الحدود

دبس الرمان

هبة قاضي
استيقظت الفتاة ذات الستة أعوام على صرير عجلات القطار تتوقف فجأة في هجيع الليل. أمها تسأل المسؤول عن السبب ليخبرهم بأن يعودوا للنوم لأن هذا توقف اضطراري بسبب عطل طارئ. تعود الأم لتغطس في السبات في حين تستيقظ الفتاة على غثاء معزة صغيرة جعلها تنزل من القطار لتساعدها في الخروج من الحفرة التي كانت واقعة فيها. فيتحرك القطار فجأة وتبدأ الفتاة برجليها الصغيرتين وعيناها مرتعبتان بالركض في محاولة اللحاق به وصرخاتها الحبيسة في حلقها الأبكم تعجز عن النداء لأمها الغارقة في السبات. ليستمر القطار في الانطلاق تاركا خلفه الفتاة في الأراضي الهندية ويقطع بأمها الحدود إلى بلدهم باكستان. استفاقت الأم لتجد أن فتاتها اختفت ولا أثر لها، والرعب الأكبر كان في احتمالية أنها نزلت من القطار في الأراضي الهندية التي تم قطع حدودها ويستحيل العودة إليها الآن. فتاة صغيرة مسلمة في أراض هندية بل وهندوسية معروف عنها كرهها وعداؤها الشديد للمسلمين. كانت دعوة حارة من جد الطفلة الذي كان يحاول التخفيف عن الأم المكلومة بأن قال (عسى الله أن يسخر لها عبدا من عباده فيجدها ويهتم بها ويردها إلينا سالمة). واستجيبت دعوة الجد لتستيقظ الفتاة في الصباح التالي وتلتقي مصادفة برجل هندوسي وجد نفسه يلتقط الطفلة من قارعة الطريق ويهتم بها وهو يغدو ويأتي بها محاولا معرفة طريقة لأهلها وهي البكماء الغريبة التي تسمع ولا تتكلم. وكانت الصدمة حين اكتشف أنها مسلمة وهو الهندوسي المتدين الذي نشأ على كره المسلمين ومعاداتهم، ليبدأ ذلك الصراع في داخله ما بين معتقدات ورواسخ وعنصريات توارثها أبا عن جد، وما بين إنسانيات ورحمة مجبولة في قلوب العباد ومفطورة في أفئدتهم، ليقرر في لحظة إيمان بالرحمة والإنسانية بأنه سيذهب لباكستان بنفسه للبحث عن أهل الفتاة ويردها سالمة لهم. فيلم يأسر العقل والقلب والروح. يسحبك من مكان جلوسك أمام الشاشة ويأخذك في رحلة لأعماق نفوس وأرواح تستطيع أن ترى فيها الكثير من نفسك، الكثير من مجتمعك، والكثير من تناقضاتكما وجدلياتكما التي تضع العقل في الكف. فيلم يجعلنا نقف احتراما لفنون توصل في مجموعة مشاهد ولقطات ما عجزت عنه عقود من الوعظ وشعارات عن التعايش وأعمار تفنى في التناحر والتشاقق. فيلم يدعوك لتبني قناعاتك الخاصة، للإقلاع عن لوك ما لاكه الأجداد، وللإقبال على الحياة والناس بنفس خالية من كبر البلهاء. فيلم يجعلك تفكر، ترى أي التناقضات حولي أختار لأحولها إلى فن يؤثر في العقول ويفتح القلوب؟ heba.q@makkahnp.com