بعد مصر سيطرت الإمارات ثقافيا بالمشعاب
الثلاثاء / 14 / ربيع الأول / 1438 هـ - 20:00 - الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 20:00
من يبلغ الخمسين من عمره لا بد أنه يتذكر كيف كانت القاهرة هوليوود العرب، تسيطر كليا على الثقافة العربية، وعلى الفن بجميع فروعه، نظرا لمساحات الحرية المتوفرة فيها، وتوفر وسائل النقل الفاعل الحي، والتسجيل والترويج بشكل متميز، فكانت ترعى كافة أنواع الفنون من مسرح وغناء وخلافهما؛ ومختلف متطلبات الثقافة من طباعة ونشر هو الأقوى عربيا، فظلت منبرا عاليا يحلم بالوصول إليه كل فاقد للمنابر في بلاده، بفعل السياسة والعادات والتقاليد، والإمكانات.
ولذلك يمم نحوها معظم مبدعي العرب، لعلمهم بأن أقل ما سينالونه فيها أكثر بكثير مما ينتظرهم في بلدانهم.
وبطريقة أو بأخرى وجد المثقفون العرب أنفسهم وأحلامهم هناك، واندمجوا في قوالب هبة النيل، وشربوا الفن واللهجة المصرية، بدرجات جعلتنا لا نعود نتذكر جنسيات أكثرهم.
وتمثلت قبضة السيطرة من قبل المثقفين المصريين بزعامة الشخصيات الثقافية المؤثرة، ففي مجال اللحن والغناء مثلا سيطر الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكوكب الشرق أم كلثوم، فسمعنا عنهما قصصا وحكايات من الانتقائية والمحاربة، والتحكم بمصائر شخوص عرب قدموا من خارج مصر، فصار القطبان نارهم الحامية بقربهما من السلطة، وبأياديهما المطلقة في التقريب والإبعاد، فلا يبرز من قد يؤثر على مكانتهما، وسمعنا عن قصص محاربة الموسيقار فريد الأطرش السوري الجنسية، وأخته أسمهان كأمثلة بسيطة على ما كان يحدث من حروب خفية توهب وتسحب الأضواء.
وكان لا بد لأي مثقف مهاجر أن يقدم فروض الولاء والطاعة لعناصر الثقافة المصرية المعتبرين في تخصصاتهم، حتى يسمحوا له بأن يشارك بحرية كاملة، طالما عرف كيف يخضع لقممهم، وأن يبجل قدرهم.
وفي زماننا الحالي، تبدلت الأمكنة والطرق والوسائل، فأصبحت دبي هي هوليوود العرب الجديدة، مطبقة قبضتها على الثقافة العربية، فتحكم فيما يكون، ومن لا يكون في الثقافة والفن، خصوصا وأن أهم القنوات الفضائية العربية تبث من وسطها، وتخضع لضغوطاتها.
واختارت الإمارات أقطابا لها يتحكمون في الثقافة العربية الجديدة، ففي الغناء مثلا نصبت أحلام، وحسين الجسمي ومع الفارق العظيم، ولكنهما الآن يسيطران وبشكل كلي على كل فنان عربي، فإن لم ينضوا تحت جناح أحدهما، فلا مكان له بالفن، والفنان يعلم أن الشهرة تحتاج إلى دبي، ودبي تمر من خلالهما!
كما تمت السيطرة على القنوات العربية الفضائية، بإجبارها على تبني أشخاص وأعمال المثقفين والفنانين الإماراتيين مهما بلغ سوء ورداءة إنتاجهم، والشدة في نقل الخبر.
ولم لا ودبي أصبحت مملكة المهرجانات والندوات والمعارض، والمسارح، والاحتفالات، وفي كل صنف يوجد من يقود الدفة، فلا يعلو رأس مثقف إن لم يثبت الولاء والطاعة لمثقفيها.
تلك هي حياة المثقف العربي التعيسة، بالتزحلق بين مراجيح دول ورجال، وتلك الضريبة التي تدفعها ثقافة الشعوب العربية المتضررة في أذواقها، وثقافاتها، وبأسباب نقص الحريات في البلدان العربية، وعدم الاهتمام بالثقافات والفنون، مما جعل مصر تكون فاكهة الماضي، وجعل الإمارات تفاحة الحاضر، التي لا تستطيع أن تتذوق حلاوتها، إلا بعد أن تتجرع سموم دودتها، وأن تبتسم وتكذب، وتمدح، وتبذل الكثير من التنازلات، والنفاق المبالغ فيه لرموز المجال، الذي تريد الإبداع فيه، فلا تعود تبلغه إلا بالأحلام.
shaher.a@makkahnp.com