الرأي

هل قرؤوا (ابن تيمية) حقًا؟؟!

بعد النسيان

إن معظم الفقهاء الأجلاء، الذين ما زالوا يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي جملة وتفصيلًا؛ إنما يعتمدون جملة وتفصيلًا على (كتاب التصوف) لابن تيمية (ت 728 هـ)، وهو المجلد (22) من مجموع فتاواه رحمه الله وغفر له. وكثير من أولئك الفقهاء أذهله الورع والأخذ بالأحوط، عن مراعاة السياق الذي حرم فيه ابن تيمية نوعًا واحدًا من الغناء، هو (دروشة) بعض المتصوفة، وترديدهم كلمات وهمهماتٍ وألحانًا غامضة؛ تصرفهم وتصرف أتباعهم عن القرآن العظيم، وسيرة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا سيما أن البلاد كانت تحت الاحتلال الصليبي، وكان الجنود الصليبيون يعاقرون الخمر في الحانات علنًا؛ فيما ينزوي هؤلاء الدراويش في الزوايا المظلمة المريبة! أما الفن الحقيقي؛ فإن لابن تيمية في الكتاب نفسه مقدمة مدهشة، كأنها كتبت اليوم بناء على الدراسات العلمية والطبية، تثبت أثر الموسيقى الملموس في علاج كثير من الأمراض النفسية والجسدية. ولكن بعض الفقهاء ـ عفا الله عنهم ـ ورثوا حماسة ابن تيمية وغيرته على أهل زمنه، ومططوا فتواه على كل الأغاني والفنون، ومغَّطوا سياقه منذ القرن الثامن إلى الأبد! وكرسوا في عقولهم وعقول أتباعهم: بأن الاحتفال النبوي هو هذه البدع، والشطحات، والغُلو الممجوج ذوقًا وعقلًا! ولم يعودوا يصدقون أن الصوفية الحقيقية لا تُمارس تلك المنكرات، ولا تقر من يمارسها؛ كما وضح الدكتور (محمد عبده يماني) في (إضاءات تركي الدخيل 2007)!! وأنها حتى في الأغاني: لا تزيد على (الدفوف) في الفن المعروف بـ(الإنشاد الديني)، المباح عند كل المذاهب، مع تحفظ بعضها على الدفوف، وسماح بعضها ببقية الآلات الموسيقية! وقد قلنا كثيرًا مريرًا: إن تورّع المسلمين عن الموسيقى وعن شعر الغزل تفتق عن فن المديح، والتواشيح، والإنشاد؛ كما تفتق تورعهم عن رسم ذوات الأرواح عن فن الزخرفة والخط العربي. ورغم بروز بعض الآراء التي تجيز الأغاني والموسيقى ـ كالليث الغضنفر (عادل الكلباني)، وباقة النعناع المدني (صالح المغامسي) ـ إلا أن المزاج العام، المختطف منذ (1400هـ)، مرد على تفضيل الآراء الآخذة بالأحوط، ولا أسهل من التحريم لدرء المفاسد ـ كما قلنا أمس ـ ولا يريد أن يعترف بأن هناك آراءً مخالفة لما رُسِّخ في ذهنه على مدى (40) عامًا، من خلال (التجهيل الممنهج)، و(الإعتام)، ومنابر (التحريض)!!!