قراءة لقصيدة سكنانا بعد مرور العاصفة
الجمعة / 10 / ربيع الأول / 1438 هـ - 20:30 - الجمعة 9 ديسمبر 2016 20:30
والله إن القلب ليحزن، لما يحدث بيننا من تشاحن ومبالغات، تدل على أنفس كالقنابل تنتظر لمسة نابضها للانفجار في وجه المختلف، ومن محاولات عنيفة لتأصيل الخلاف، ومنع الرؤية الحرة، ومحاربة الرأي الآخر، ورسم الحياة بلون وطعم وشكل واحد لا يمكن أن يكون فيه أفق ولا تنويع؛ وكأن الأمور تسير بسرعة الخوف والعناد، واكسرني أو أكسرك.
قصيدة ألقيت في مناسبة وطنية رسمية، ولم تكن في مسابقة للجوائز، أو لجني الملايين؛ ولم يكن لزاما على الجميع استنطاقها وتقييمها، ونقدها، وتنصيبها حدثا للعصر، وقيمة للوطن، وحكاية لمن لا حكاية له.
أجمل القصائد يمكن أن تقال في مثل هذه المناسبات الوطنية، ويتحمس لها من يسمعونها، وقد يعجبون بها، أو لا تعجبهم، وتنتهي بعد يوم أو يومين؛ ولكن أن تستمر حكايتها كالشعلة النارية يستلمها كل شخص، ويقذف بها إلى عين الذي يليه، لتكبر وتتعملق، وتحرق كل المحيط، فهذا شأن نفسي واجتماعي وثقافي يجب التوقف عنده، ودراسته بتمعن ومصداقية!
فلماذا يتم ذلك بيننا، وما الذي يحركه؟
أعود للقصيدة، فأنا أرى أنها متواضعة شعريا، وغير متقنة، وكان اختيارها في مناسبة هامة مثل تلك أمر غير مدروس.
أما بالنسبة للأداء، فالأغلبية منا يتفقون على أنه أداء جلسات حميمية لا يليق بالمواقف الشاهرة التاريخية.
كما أعتقد أن ذائقة الشارع السعودي أصيلة عميقة، خصوصا في مجال الشعر، ولا يمكن التشكيك أو تكذيب ذائقة الملايين، لمجرد أن شاعرا هنا أو ناقدا هناك حاولوا تبرير الحال، أو إثبات إعجابهم بالقصيدة، بين شعب بدوي نصفه من الشعراء.
إذن أين يكمن الخلل؟
أعتقد أن الخلل يقع في بعض أشخاص وقنوات إعلامية تصدرت للقضية، وأججت الأمور، وجعلتها مسألة تحد، يربط بين القصيدة وبين المناسبة، وبين من هي على شرفه؛ وهذا بالطبع أمر مغلوط، فالتلاحم الشعبي السعودي مع القيادة أمر مفروغ منه، ويثبت في كل مناسبة عسيرة.
كما أن ربط جودة القصيدة بمكان المناسبة أمر غريب، زاد من نشاز ما يقال، فقام بعض الإعلاميين بفتح النار على مشاعر الشعب بأن في الأمر نوع من الطائفية، والعنصرية؛ ومن المؤكد أن الأغلبية العظمى من الشعب لم يكن يقصد ذلك مطلقا.
إذن نحن أمام جهات إعلامية تريد رسم صور الكمال، من قصاصات ناقصة، وهذا أمر لا يمكن تثبيته على أرض الواقع، حتى ولو تم إعادة تسجيل القصيدة بصوت محترف جهوري، ومهما بثت مرارا وتكرارا، فذائقة الشارع صادقة ذكية لا يمكن أن يبدلها التجمل والتجميل.
الشعب السعودي أثبت أنه أكثر الشعوب حبا بما يسمى بالطقطقة، وكان من الممكن أن تمر سحابة هذه الطقطقة في سماء انتقاداتنا بكل انسيابية؛ ولكن محاولات الثني القصرية والاستمطار العكسي زاد ورسخ من بقائها، واستمرارها.
أنا كفرد سعودي أحترم المناسبة وأجل راعيها، وأحترم الشاعر، الذي وضع في تجربة قاسية عليه، ولكني أيضا أحترم رأي الشارع، ولا أصادر حقه في التعبير عن إعجابه أو استيائه تجاه أي عمل فني أو أدبي مشاع.
وأنا أستغرب كثيرا ممن حاولوا تجسيد القضية إعلاميا بشكل شبه رسمي، لإجبار الذائقة على الانصياع، وعدم فتح الفم.
shaher.a@makkahnp.com