الرأي

صحارى المرضى يا مزون الصحة!

أحمد الهلالي
حين تتشابك خيوط الملل، وتنسج على أرواحنا سجفا ثقيلة، تضطرنا تلك المؤرقات للخروج، وغالبا، ما يقول الإنسان المحاط بتلك الجوقة المزعجة (بطلع أشم هوا)، وكل الأماكن مرشحة أن تكون وجهة محتملة، إلا (المستشفى) فلا يؤزنا إليه إلا (الألم) أيا كانت درجته، وشتان ما بين (الملل/‏ والألم). المريض أو (محتاج) الرعاية الصحية، يرى (المستشفى) أملا ـ بعد الله ـ في تخفيف معاناته، يراه الحضن الآمن الدافئ، ويرى العاملين فيه ـ باختلاف تخصصاتهم ـ الأيدي الحانية، يتمثل فيهم صور (ملائكة الإنس)، يتنبه لكل حركة منهم، ويستشعر كل ابتسامة، ويسعد كالطفل بكل ملاطفة بريئة، ويبحث عن نافذة حديث معهم، ويظل دائب المراقبة لوجوههم، يقرأ تعابيرها باهتمام، فهي مؤشرات يقرؤها عقله الباطن، تنبئه بمدى خطورة حالته، فيستمد منها طاقة نفسية، تنعكس حتما على معاناته الجسدية، إيجابا أو سلبا، والأطباء أعلم بهذا الأمر. منذ الصغر ألاحظ الكبار، بالكاد يستطيعون ركوب السيارة إلى المستشفى، وبالكاد ينزلون إليه، لكنهم يتماثلون للشفاء، وتستعيد أجسادهم الواهنة قوتها بمجرد إجراءات فحص الحرارة والضغط وكتابة الوصفة، حتى دون أن تشكهم الإبر، أو يتناولون الأدوية الموصوفة، وكنت أعجب من هذا، لكنني علمت بالأثر الإيجابي الذي ينعكس على صحة المريض بمجرد دخوله المنشآت الصحية، وعلمت (علما غير دقيق) أن كبسولات كاذبة (لا تحتوي مواد دوائية فعالة)، تصرف لأمثال هؤلاء الحساسين، الذين ربما لا يعانون أمراضا بقدر ما يتوهمون المرض. في منشآتنا الصحية نماذج كثيرة، رأيتها وتعاملت معها بنفسي، وهم (ملائكة) حقيقيون، يؤدون رسالتهم الإنسانية بتفان ومحبة، لكن بعض القليل يكدّر، فلا أتعس من أن ترى (مراجعا) يتضجر ويرفع صوته، فيقرعه أحد العاملين في المنشأة الصحية، وربما يتطور الموقف إلى أبعد من ذلك، ولا أقبح من أن ترى متعاليا يتحدث من طرف أنفه على عجل، ولا أثقل على الروح من (الدمى) الجامدة، أصحاب الملامح البلاستيكية التي لا تمتص، ولا ترشح منها معاني المشاعر الإنسانية الحقة، ولن أحدثكم عن (القروبات الطبية) الذين يدخلون على المريض ويتراطنون بالإنجليزية وهم ينظرون إليه، ثم يخرجون دون أن يقولوا له قولا حسنا أو سيئا. عزيزي (الطبيب/‏ الممرض/‏ الموظف) في المنشآت الصحية، كونوا جزءا من الوصفة الطبية، تعودوا الابتسام والملاطفة في حدود ما يدخل الراحة على المريض، ومرافقيه، فكلنا نعلم أنكم ـ خاصة في المنشآت الصحية الحكومية ـ تعانون ضغوطا رهيبة بسبب الازدحام المستمر، وكثرة الأعباء، لكن صحارى أرواح المرضى، وقفار حاجتهم، وتخوم ضعفهم، تنتظر مزون تعاطفكم، وغيمات ابتساماتكم، ونسائم كلماتكم اللطيفة، خاصة في المنشآت الحكومية؛ لأن مراجعي المنشآت الصحية الأهلية، ربما لا يرون اهتمام العاملين فيها مجردا، ولا خالصا لوجه (الإنسانية)، بل تلعب (الربحية) دورها الرئيس فيه، ولا يعني هذا خلو ذلك الاهتمام من ملامحه الإنسانية المريحة. alhelali.a@makkahnp.com