الرأي

دستور يالساحل الغربي!

فايع آل مشيرة عسيري
يبدو أن الأمير خالد الفيصل كان محقا وهو يستأذن الساحل الغربي الساحر قائلا: «دستور» كي يمنحنا رحلة سفر بكرا عبر تداعيات هذه الكلمة ذات الأصول الفارسية، وتباريح نفسية كانت تذكرة العبور الأولى، فتبحر بنا في أسراره ورواياته العظيمة.. فالساحل بكل مدنه الحالمة وثيقة حب ومناجاة قمر ومناغاة شمس وشباك الصيادين على وجه الصباحات المليئة بالموسيقى والحب. عربون صداقة لكل من يبحث عن وجه المدينة الساحلية الفاتنة التي تستلقي على البحر وتغتسل من قرص الشمس، تلك المدينة الفاتنة التي يقع العابر في أسر هواها منذ النظرة الأولى! أليس الساحل هو قانون العشق القديم الجديد الذي قادني ذات مساء لأن أهجر معطفي الصوف وأهرب من جبال السروات القارسة القاسية كي أحط رحالي على ساحل البحر والحب الدافئ الذي لا يمكنك أن تكون معه إلا عاشقا متيما يسافر مع كل سفينة راحلة، ويعود مع كل سفينة قادمة رحلة مد وجزر! وتستمر تلك الأغنية كخارطة عشق لكل عابر أو زائر للساحل بل وتمنحك «الدستور» هذا التراث الحجازي الذي يقف بك على أعتاب ثلاثة عقود جمعت أمير الشعراء خالد الفيصل بفنان العرب والعجم محمد عبده. «دستور يالساحل الغربي» تعود للذاكرة اليوم وكأنك للوهلة الأولى تسمعها وتتلذذ بإيقاعاتها لتسقط إحساس الأمير الفيصل المرهف، إحساس السالكين حسا نفسيا يعبر تهامة بسواحلها وتضاريسها التي يعود ليهرع لها بكل تفاصيلها، ويتماشى اللحن والإيقاع والكلمات والصوت مع تلك الرحلة، ليأتي على لحن المجرور» المشهور في الحجاز، وهي واحدة من الخطوات القديمة المتجددة بتجدد المدن الساحلية التي تحاول كل مدينة منها الاستئثار بك! «الدرب» المدينة التي تعزف كل الدروب الخضراء.. «الشقيق» ترافقك بروح الأشقاء و»الحريضة «تحرضك على الإبحار من شواطئها التاريخية.. «البرك» وهي الفاتنة التي تسكن مخيلة العاشقين قبل أن يروها.. «سعيدة الصوالحة» سعيدة بمقدمك إليها متصالحة مع كل القادمين والقاطنين لدرجة الانسجام. أستحضر «القحمة» وحكايات المسافرين وهل أجمل من «حلي»؟! حين تسحرك ببساتينها وتدفق مائها العذب، وكسرات صديقي الأعذب محمد الكناني الذي قال لي ذات مساء «الساحل وطن الفقد والسعد» وبين «كياد» المدينة التي كادت أن تميت ضرائرها لحسنها! «القوز» الجميل، «عمق» التي تهديك فرصة الغوص في كل جزء من رواية المدن الساحلية قبل أن تلقيك فجأة في إحدى جلسات العمة «حزيمة» وتجد نفسك تحتسي قهوتك وتتناول إفطارك الشعبي الشهي تحت أسقف القصب وتعيد لك مزاجك المتعب فوق أسرة من حبال وطفي قبل التوجه نحو عاصمة الساحل وركنها الثابت وحضارتها التي ما تزال تقصص تاريخها على وجه البحر الأحمر ميناء الاقتصاد عبر حضارات إنسانية كانت هنا.. وأنت في حضرة التجارة والسلع عليك أن تستعذب المسميات على طريقة «شاه بندر التجار» ونصعد كل السفن المبحرة كي نمهد لصعود تلك الأغنية في أرواحنا نوتة بنوتة وطرقا بطرق، هنا لا بد للموج أن يهون على قلوبنا.. تنهيدة عميقة وهي تنزل شراعها وتصل المرسى وتودع رحلة البحر بالدموع والقلب. أكتب مقالي في القنفذة «البندر» الأم وأعلم بأنني سأغضب أصدقائي هناك لأنني لم أخبرهم بالمجيء، أسترق لحظة بوح حالم وصمت هائم في أمواج البحر وغروب الشمس وموعد قادم لشتاء آخر يتجدد مع كل طائر مهاجر يغني دستور يالساحل الغربي. ومضة: دستور يالساحل الغربي!