الرأي

منهجية تعليق قضايا المرأة

فكرت أن أعتزل الحديث عن قضايا المرأة السعودية التي صارت «غسيلا منشورا» أمام العالم منذ أعوام، ولكن في القلب غصة، فالتقدم البطيء الذي تحقق كان مشروطا ومقيدا، فلا هو قضى على المعضلة الأساسية للمرأة، ولا هي بقيت قضية متوارية عن الإعلام العالمي والمحلي و»محلك سر». أفكر باعتزالها لأن الكلام فيها صار مضجرا رغم أولويته وأهميته، ولكن تشابهت كل البدايات والنهايات لمحاولة دفع هذه القضية للنقاش العقلاني من قبل جهة تملك صنع التغيير، فمنذ أن يبدأ الحقوقيون الذين تحملوا عناء مواجهة السخط الشعبي المليء بالخوف من عمليات التغيير وتحسين الظروف القانونية والاجتماعية للنساء، حتى تبدأ حملة مضادة تهكمية وحاشدة لكل الآراء التي ترى القضية من زاوية واحدة (دينية وتآمرية) وتستخدم لغة تخويفية، في حين يظل محرك القرار في حالة صمم تام وتجاهل تكتيكي. وعندما تنتقل القضية لمرحلة الإصرار وتساؤلات الإعلام الخارجي يغشى الحرج من كان يتهكم ويعارض الحلول، ومن كان يمارس التجاهل و»عامل نفسه ميتا»، ويبدأ التخوين والتدليس بأن من يحرك هذا الملف هي جهات خارجية، ويتغير المصدر في كل مرة لحاجة في نفس يعقوب، ثم تلقى التهم على كل من يتبنى القضية التي أشغلتنا وأحرجتنا، ويذر الرماد في العيون فتوأد المطالبات، ويلتزم الحياد من لا يملك جرأة مواجهة جهة غير معروفة تطلق الاتهامات وتشوه السمعة. قصة مملة تتكرر منذ عام 1990هـ بطريقة أو بأخرى، وإلى اليوم لم تعلمنا التجارب الكثيرة أن نتعامل مع المطالب السلمية بطريقة أكثر حصافة وحرصا على سمعة الوطن أولا، ثم نقاش المطالبات العادلة والطبيعية لتحسين مستوى رفاهية الفرد بشكل سريع وجاد. لم يعد التجاهل الحكومي ورمي الكرة في ملعب المجتمع أمرا مقنعا ولا حكيما، فاليوم يتغير الوزير بناء على انتقاد شعبي بعد تصريح غير مرضٍ، والمرأة اليوم ستعيش كسيحة إذا ما طبقت عليها معايير تجاوزها الزمان والمكان وحوصر المجتمع بها، وسمح لبعض فئات أن تدلس عليه بأن المرأة هي مارد محبوس ما إن ينال بعض الحقوق المعطلة حتى يخرب المجتمع وينشر الضلال. لقد سمحت آلية التعامل مع هذه الحملات لكل ناقم وخائن بركوب الموجة والإساءة للوطن وللمطالبين، ثم حملوا الأوزار كل من دعم وشارك فيها ووصلت أخيرا لنهاية مكررة تصل لها كل الحملات الحقوقية النسوية. إن كبوة كل حملة هو استخدام الناشطين لوسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على المسؤول، ومن الحكمة تفاديها والعمل على تكثيف المجهود التوعوي والتدرج في استهداف الشرائح الاجتماعية ليتبدد التزييف الملتبس بقضايا حقوق المرأة، حتى لا يبقى عذر لمن يتبنى مقولة «الرفض الاجتماعي» وأنه يحترم ويتجاوب مع هذا الرفض، وتغيير الاستراتيجيات لبلوغ الأهداف ستجعل الأصم يسمع ويناقش ذات يوم.