الرأي

جداريات وذنب

محمد أحمد بابا
تعني لنا الرسومات الجميلة الشيء الكثير وخاصة فيما بين «الجدر» التي يعثر عليها المولعون بالآثار، ولعل مفهوم «جدر» نعيش معها في بيوتنا وأوطاننا مغرية بالرسم اليدوي والفكري. من يرى «جدارا» يعرف بأن من بنى هذا الحائط يقدر حجب الرؤية عن الجهة المقابلة، ويعي ما يقدمه من حماية، وهو يتوقع نعومة وعاطفة ومشاعر لمن يجلس لظله أو يسند له ظهره من إحداثيات الحياة. في المؤسسات التعليمية تزخر «الجدر» بكثير من أسرار الأطفال والمراهقين والشباب، متحملة مسئولية فضفضة القلوب رغم صلابتها، لكنها لينة لكل راسم، لتبقى بعض الأشكال تدل على بانيها وإن استحال «الجدار» جذرا. ونظرية الحواجز ببناء «الجدر» موغلة في القدم والحضارات، وللمسلمين في القرآن ركن أساس في الموضوع بقصة «جدار» وإرادته الانقضاض لولا مقاومة الوحي. وفي القرآن استراتيجية اليهود الحربية من وراء «جدر» لتدلنا على الطريق. إن رغبة النفس البشرية في الاستحواذ جعلت «الجدار» سلاحا وحفظا حتى اختفى «الجدار» زمنا واستبدله الناس «بالحائط» ليمثل الأول الحجز والثاني الحماية رباعية الأبعاد. ولعل ترادفات مثل «سور» و»جدار» و»حائط» و»حصن» و»قلعة» أتخمت المقهورين في العالم يأسا وإحباطا، لذلك لا يؤمن المهمشون بانتصاراتهم إلا إذا اقتحموا «جدارا» أو هدموا «جدرا» أو بنوا حولهم «جدارانا» تمنعهم. هناك «جدر» لقمع المفاهيم أعظم ظلما من «جدار» إسرائيل تحقيقا لنمطيتهم في الحرب. والرسومات التعبيرية التي يرسمها طفل فلسطين المعذب ويستخدمها الإعلاميون إبداعات حصار تبتعد بنا عن رأس الأفعى في «جدار» سلبية. أعتقد أن مشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه بـ «الخندق» التي تخيف العدو وتمنع الضرر ولا تحجب الرؤية توضح فارق جداريات في ثقافة استعمارية تنتفع بمضرة الآخرين. وفي جواب ذي القرنين أن يبني لهم سدا وهو من الجدار قريب «ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما» ما يوحي بأن بعض الفساد يحتاج ردما. كلنا مسؤولون عن «جدار» بنيناه أو نفكر في بنائه ليحول بيننا وبين توهم مشكلات لا فساد فيها إنما فقط لإراحة الضمير من تذكر ذنب، وفي الجهالة المقابلة رسم وفن تشكيلي وذكريات ألم وأدب شارع. الذي يغيظ أي عربي ليس «الجدار» فهو يرزح تحت رحمة فك الحصار عن عالمه العربي بأسره وممنوع من الوصول لأخيه العربي ولو لم يكن هناك «جدار» لكن هناك خارطة طريق. مريرة هي «الجداريات» في مسيرة البشرية وخانقة هي «الجدر» في حقب الشعوب وفي الوقت الذي يزيل فيه الشرق أسوار أمبراطورياتهم ابتهاجا بالعولمة ويهدم فيه الغرب جدرانهم رغبة في الانفتاح على عوالمهم وأوطانهم ويلغي فيه الشمال منعته التي كان يفرضها على جمهوريات تفككت سياسيا واجتمعت اقتصاديا ويسعى فيه الجنوب للاتحاد والائتلاف واللحاق بالركب يبني كل من في «الشرق الأوسط» القديم جدار فصل ليضمن انفراده بالذنب حتى لو فرضت عليه خارطة «الشرق الأوسط» الجديد. لأتأكد بأن في رسالة رسومات الجدار إبداعات معاناة تلهي الباحثين عن أصل تعديات. baba.m@makkahnp.com