امرأة الكهف وبدرية ونوال
الثلاثاء / 7 / ربيع الأول / 1438 هـ - 20:30 - الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 20:30
مما يظهره التاريخ، وما لا يمكن تكذيبه بأن الأنثى ومنذ حياة الكهوف، وربما بطبيعة تكوينها الفطري، كانت تجد نفسها الضعيفة والفريسة، والجميلة، والناعمة، والحامل، والأم، والحاضنة، والمربية، والتي لا يكون عقلها محركا أولا لها، بقدر عواطفها، وعلى اعتبار أنها تدرك أن جسدها غالبا هو ما يحكم العلاقة بينها وبين الرجل، ولو أنها كانت تحاول التفكير، ولكن بطرق منطوية وسط محيطها لتجد نفسها مع الوقت بعيدة عن مناطق تفكير الرجل، فكانت تمعن التفكير وتبدع في طرق جذب الذكر إليها، وتسخيره لخدمتها، أو على أقل تقدير لاتقاء غضبه، وقسوته، وتثبيت حاجته الدائمة إليها.
وكان الرجل بهمجيته، وبدائيته يتعامل معها على هذا الأساس، فلا يجد فيها ندا له، ولا منافسا على مكانة، ويغدق عليها بمكسبه، ويجتهد ليسعدها ويرعاها، وربما يقسو عليها، وكل ذلك في محاولة منه لإبقائها في خانة التابعة، القاصرة، المنصرفة لخدمته، ولإسعاده، وتربية أبنائه، وتحاشي المقارنة بينه وبين الذكور الآخرين!
واستمرت ثقافة الأنثى تدور حول الرجل، بينما كانت ثقافة الرجل تتفرع وتتمرد وتخرج من محيطه متطلعة إلى أبعاد أخرى، فكان هو المستكشف، والخبير والحرفي، والمعلم، وكان هو المثقف.
عصور متعاقبة من التزام المرأة بثقافتها، ومعاقبتها إن هي تمردت على قواعدها؛ ومن تمرد وخروج للرجل إلى أطراف العالم، باكتشافاته فتباعدت وتباينت ثقافتاهما.
وفي المجتمعات العربية، لم تكد تتبدل تلك الثقافة كثيرا، حتى في قرننا الواحد والعشرين، فلا تزال الأمية متفشية بين نسائنا، بشكل مريع، ولا تزال المرأة تجد نفسها في كهف حجري من القواعد الصلبة يصعب عليها تكسيرها، وإن فعلت، فهي لا تتنكر عن ثقافتها السرمدية، وتستمر في جذب الرجل، والإبداع في ثقافة إرضائه، بكل المعاني، والوسائل، حتى إن عنايتها بجسدها وشكلها ولبسها وعطرها لا تزال طاغية على أي ثقافة تتبناها.
وبالطبع فقد كان للقاعدة شواذ، فوجدنا المرأة في حالات فردية تخرج عن ثقافتها، وتتبنى ثقافة الرجل، وتنافسه، وقد تصل لأكبر المناصب، فكانت الملكات مثل بلقيس وكليوبترا، وشجرة الدر، وغيرهن.
وبقي تقبل المجتمعات الحالية لذلك متباينا، فالمجتمع السوداني، يختلف عن المصري، وعن اللبناني، والسعودي، والتونسي، وظلت المرأة الطموحة تتهم بهجر ثقافتها النسوية القديمة، والوقوف أمام الرجل متحدية له بنفس مشاعره وثقافته، وقوته.
أمثلة عديدة لوقوف المرأة ندا للرجل، فوجدنا على المستوى المصري نوال السعداوي، والتي تمكنت من سلخ كل علامات الأنوثة عن كيانها، لتمتهن ثقافة الرجل بكل معانيها، وتبدع فيها، وترسم لها مكانا عليا بين المثقفين، مهما اختلفنا على نوعية ثقافتها، أو مكوناتها.
ويتباين الوضع بين المجتمعات، ففي المجتمع السعودي نجد أن بدرية البشر متمردة على ثقافة المرأة السعودية، رغم التزامها بكثير مما فيها، ولكن جزءا كبير من المجتمع يعتقد أنها قد ابتعدت كثيرا في تشغيل مخها، وتمادت في دخول عالم الثقافة، التي يعتبرونها رجولية.
أنا هنا لا أعيب أو أؤيد، ولكني أحاول تشريح الحالة، وتوضيح الفرق، والذي نلمسه بتعمق أكثر في الدول الغربية، بحيث وجدنا في بريطانيا وألمانيا والدنمارك وغيرها رئيسات وزراء منتخبات، يتكلمن بما يقنع الرجال، وبما يحكمهم، ويجعلهم يتناسون عصورا من سيطرتهم القديمة المطلقة.
shaher.a@makkahnp.com