الرأي

مساعدة غير مساعدة

دبس الرمان

هبة قاضي
حالما انضمت للفريق كانت من أنشط من يعملون وأكثرهم إبداعا وكفاءة. لم يكن مستغربا فهي تعرفها منذ زمن وحين استقطبتها للعمل معها كانت تعلم مسبقا ما الذي تتوقعه منها. كانت دائمة التشجيع لها ودافعة إياها تجاه تلك الإمكانيات والاحتمالات الزاهية التي رأتها فيها. ثقتها فيها وحماسها تجاهها جعلاها تتعامى عن واقع أن الأمور ليست مثالية كما كانت تتوقع، وإن ما استمر يقع من عوارض ربما مرجعه ليس فقط عدم انتباه أو مجرد تقصير. وأن التغيير في السلوكيات والدوافع ربما مرده ليس فقط ضغوطا أو ظروفا عابرة. في سعينا الدؤوب لنكون أحسن ونصبح أفضل نمر بالكثير من العقبات والمثبطات التي حال نجتازها ونتجاوزها نسارع بالنظر خلفنا في محاولة منا لمساعدة غيرنا على تجاوزها بدافع العرفان ورد الجميل وأيضا بدافع حب احتواء الآخرين ومساعدتهم المفطور فينا. حقا إنه شعور جميل وقد يؤدي جماله والانغراق فيه بنا إلى تجاوز تلك الشعرة الرقيقة جدا ما بين المساعدة والعون وما بين الضغط والإجبار. فنحن لا نشعر بأنفسنا ونحن نساعد أولادنا في حل مشكلة مع أقرانهم بأن نضغط عليهم باتخاذ مواقف تجاههم قد لا تناسب شخصياتهم ولكننا مؤمنون أن ذلك هو الأصلح. ويغيب عنا تماما حين رغبتنا في مساعدة أصدقاء يواجهون صعوبات في حياتهم أو أعمالهم، بدفعهم وتحفيزهم لاتجاه معين أو تصرف معين، ضاربين المثل بأنفسنا في مواجهة نفس الموقف وكيف تجاوزناه ثم اعتلينا فوقه متقلدين نياشين النصر، متغافلين عن المقارنة غير العادلة ما بين استعدادات فطرية وظروف مكتسبة تجعلنا فرادى لا يشبه أحدنا الآخر لا في طريقة تعامله مع مشاكله، تحقيقه لأحلامه، ولا في أسلوبه في التعامل مع معوقاته. وندخل في حالة عمى تام حين قيامنا بالحكم على آخرين بالضعف والتخاذل والسلبية حين اتخاذهم لمواقف لا تتسم بالحسم أو القوة في مواجهة ما نعتبره تجاوزا أو فرصة واضعين أنفسنا وما مررنا به وما اتخذناه من مواقف وما وصلنا إليه كمعيار نقيس عليه الآخرين. لم تكن المواجهة سهلة، فمن أصعب الأشياء في الحياة هو مواجهة الأشخاص بما نعتقد أنهم لا يريدون سماعه. أخبرتها بأنها لا تعرفها وتعرف قدراتها أكثر من معرفتها هي بنفسها وأن تكف عن دفعها في اتجاه ما. والأهم أخبرتها أن ترحم نفسها وترحم من حولها من وهم اعتقادها بأن ما تجاوزته يستطيع الآخرون تجاوزه، وبأن طريق الوصول لما وصلت إليه يناسب الجميع، وبأن وضعها لنفسها أمامهم كمثال يحتذى به لا يساعد بل يدمر.