قل «ترَمپ» ولا تقل «ترامپ»!
الاثنين / 28 / صفر / 1438 هـ - 19:30 - الاثنين 28 نوفمبر 2016 19:30
لعل هذا هنا يذكر بعضنا ببرنامج لغوي تلفازي قبل 40 عاما، قام بتقديمه الدكتور حسن الكرمي؛ وعنوانه: (قل.. ولا تقل!)؛ وكان في ذلك البرنامج ما ينبه إلى دقائق نطق الكلمات والمصطلحات؛ ويبين ما يشوبها من فروق السياق والفهم والمعنى.
أما هنا، فبالموجز وابتداء، ففضلا قل: «ترَمپ»، ولا تقل «ترامپ»!
كما ستأتي هذه المقالة على تبيان أسباب فوز السيد دونالد ترَمپ، رغم بروز وطفو نجاحه كمفاجأة صارخة؛ فإن الحقيقة هي أن هناك عدة أسباب تكمن في الخلفية، وفي ما وراء الأكمة، وفي ما تحت القشرة.
وبدءا باسم هذا الرئيس الأمريكي المنتخب، فإن نطق لفظة (ترامپ) Tramp يجعلها غير صحيحة. بينما الصحيح هو: (ترَمپ) Trump؛ والفرق شاسع، كما بين المشرقين، أو كما بين الأسود والأبيض!
فإن كلمة «ترَمپ» Trump، تعني «الورقة الرابحة» وذلك استعارة من لعبة الورق/الكوچينة، حيث لاعب «الورقة الرابحة» يتمكن من كسب بطاقات الجولة كلها! فيقوم و»يقشها»! كما وأن سياق كلمة ترَمب.الكوچينة موجود باللهجة الشامية/الفلسطينية في لفظة تَرنيب/طَرنيب.
وكلمة ترمپ Trump تعني أيضا: الشخص الممتاز؛ والمجال الناجح؛ والمصارع الصامد؛ واللون المفضل؛ وصوت البوق البالغ (ويشار لنافخه بلفظة Trumpster).
بينما، في المقابل، نجد أن كلمة (ترامپ) Tramp مختلفة تماما؛ فمعناها يشمل: المشرد؛ البائس الفقير؛ سفينة الشحن غير القانونية.
والحقيقة المشاهدة عن نشأة وخلفية السيد دونالد ترَمپ، هي أنه ملياردير ناجح، وإعلامي شهير وبتجربة طويلة؛ وأنه تمكن من تخطي الحواجز الإعلامية رغم معاداة كل الصحف الكبرى، وأضخم القنوات التلفازية، وعدد من كبار المنظرين والمحللين ودهاقنة بيوت الدراسات والبحوث، بل والمستشارين القوميين السابقين!
لذا كان أمرا صارخا اعتراه موفور الاستغراب - في أمريكا وحول العالم - حين تم إعلان فوز ترَمپ بمنصب رئيس أمريكا؛ ومعه ظهر السؤال الساخن، الموجز في: (كيف لهذا أن يحصل؟!).
والإجابة على هكذا سؤال تتطلب الغوص فيما وراء السطح، فلقد تبينت عدة خلفيات اقتصادية واجتماعية، وفكرية.. على هذا الترتيب، وكانت وراء فوزه.
والعجيب أن قليلا من أعار اهتماما لتقرير للمخرج الوثائقي الشهير مايكل مور.. تنبأ فيه - قبل عدة أشهر - بفوز السيد ترَمپ. وكان قد سلط السيد (مور) الضوء على الانكسار الاقتصادي الذي اعترى عددا من ولايات أمريكا الحساسة، منها: ولايات أوهايو وميشيگن وپنسلڤينيا. وهؤلاء كانوا في قلب الصناعة الثقيلة، بما فيها الحديد والصلب، والسيارات ونحوها. وإضافة إلى البطالة التي نتجت عن هذا وذاك، فلقد لوحظت هجرة المصانع للخارج، مما نتج عنه نمو العمالة بتلك الدول، وفي المقابل: نمو البطالة بين الأمريكان!
شرع ترَمپ بركوب تيار تسونامي ذلك الشحن والسخط، فقام بتجنيد مختلف طاقاته من مال ورجال، ووسائل إعلام وأدوات اتصال. ووعد وعودا صارخة، مثل إلغاء الاتفاقيات الكونية التي عمل على إبرامها بعد جهد جهيد كل من الرئيسين بل كلنتن وبَرّاك أوباما؛ بل ووصل ترَمپ ذروة الحملة الانتخابية في وعده بإقامة سور عظيم (يفصل! أمريكا عن المكسيك؛ ثم تمادى بقوله بأنه سيجير تكاليفه لخزينة الأخيرة، لتدفع (هي) تكلفة ذلك السور!
ثم شمل تفوهه وتشدقه طرد المهاجرين، وبخاصة المسلمين (مستغلا في ذلك أحداث العنف والتفجيرات في أكثر من موقع في أوروبا وأكثر من ولاية في أمريكا.. فصارت كلمة وفكرة «مسلم» بمثابة البعبع المديم والشعار السلبي المقيم.
وواصل تفعيله أحاسيس المواطن العادي - وبتناغم مفرط مع القيم المحلية والريفية التي لا تهضم الأساليب الشمولية للحكومة الفيدرالية، ولا تطيق وصايتها؛ فما بالك بتسلطها على شؤونهم المحلية، ناهيك عن امتعاضهم لمواقف المتحررين إزاء القيم التراثية التليدة، ناهيك عن اعتراف بعض هؤلاء بالمثليين، فما بالك بـ(مساواتهم) بالآخرين!
وواصل خطاباته ذات العبارات الفضفاضة والنارية، بل ودأب على صياغة تغريدات مفلفلة يومية في الداخل وفي الخارج!
وبالغ في تهييج المواطن بأقوال مثل عزمه على تكليف عدد من الدول بدفع تكلفة حمايتها ماديا وسياسيا.. مقابل حصة كبيرة من موارد تلك الدول، النفطية أو ذات المكاسب المالية؛ وشمل في ذلك الشرق الأوسط، بل ولم يستثن حتى اليابان!
وهو، في هذا كله، يعلم.. ويعلم معه الراسخون في الواقع المعاش أن جل ذلك أو كله أقرب للأحلام ولدغدغة فقاعات الفهلوة ولمعان السراب وذبذبات الإعلام. وهو أيضا يفهم أن حموة الحملات الدعائية شيء، بينما واقع ما بعد الانتخاب هو عالم آخر، وأن عليه أن يتكيف حينها مع واقع المنصب وطبيعة الحياة في العالم.
وبالنسبة للسيدة هيلاري كلنتن، فلقد تنامى الغضب والاحتقان ضدها، إضافة إلى ذكريات لم يكن بالإمكان محوها في أذهان كثير من المواطنين عن نشاطات سابقة لها. ومنها أدوارها في عهد زوجها مثل مساندة نظام تأمين صحي لم ينعم بقبول عميق عند ذوي الشأن في المجتمع.
وذلك إضافة لتعلق اسم زوجها (كلنتن) باسم الآنسة مونيكا ليوينسكي، ولو أن الذنب لم يكن ذنب هيلاري البتة. إلا أن مونيكا كانت قد كتبت كتابا عن الواقعة، وحرصت - أيضا - على المشاركة في الحملة الانتخابية؛ وبذا ظل الإثم ملتصقا بالاسم!
ثم كان تصريح مدير المباحث الفيدرالية عن التحقيق مع هيلاري عن استعمالها (الإيميل) الخاص في عملها الدبلوماسي العام أثناء تقلدها وزارة الخارجية. وكان ذلك بمثابة (القطلة) التي قصمت ظهر بعيرها، حتى بالرغم من تعبير المدير العام عن عدم نيته متابعتها قانونيا/قضائيا، إلا أنه - عاد - في يوم الأحد (وهو يوم عطلة، وفي أقل من يومين قبل موعد الانتخاب، الثلاثاء 8 من نوفمبر 2016)، وأشار إلى إمكان إعادة فتح الموضوع؛ فكان جرحا نازفا لم يندمل قط!).
(كما وكان لحملة الحزب «الثالث» هذه المرة دور ملحوظ فاعل.. مما اقتطع حصة من الأصوات كان في إمكان حزب السيدة هيلاري كلنتن، الحصول عليها!).
هذا عدا نسبة من الأمريكان لا يستهان بها بين أنصار المرشح السابق برني ساندرز، السيناتور المتحرر؛ فلقد آثر هؤلاء الانزواء والامتناع عن التصويت، بدلا من منح أصواتهم لهيلاري. ولو أنهم فعلوا فلربما فازت!
والمفارقة هنا أن المتحررين والشباب لم يعد عندهم بقية باقية لهيلاري من بريق تحرر التقدميين اجتماعيا واقتصاديا، مثلما كان وصار للمرشح المنسحب برني ساندرز؛ وبقي بذاكرة المحافظين أن هيلاري كانت وراء قضايا تحررية اعتبرها المحافظون انفلاتية، كحرية اختيار الإجهاض، وأيضا المساواة المطلقة بين الجنسين، بل وحتى لدعمها حرية الجنس الثالث.
وظلت هيلاري حتى آخر لحظة تعاني من أزمة الثقة من الطرفين؛ ولو أنه بقي معها طويق نجاة هو كونها «المرشحة الأنثى» الأولى في تاريخ الانتخابات الأمريكية. ولكن ذلك لم يكفها؛ ولم يسعفها!
و- رسميا - لم تنجح هيلاري، وذلك بناء على آلية عجيبة في الانتخابات الأمريكية (التي تحسب حسابا لأصوات «المجمع الانتخابي» The ElectoralCollege؛ ولم تلق بالا لمجموع الأصوات الفعلية المباشرة: المرشحة السيدة هيلاري لم تتمكن من إحراز ما يلزمها من أصوات المجمع (270 من 538)؛ و(حسب النظام): لم يكفها مجرد فوزها بالأغلبية العددية بالأصوات العامة!
(موضوع «المجمع الانتخابي» هذا شائق وشائك، ذو ثلاث شعب، ويحتاج لمقال آخر ..عله يوفيه).
لقد كانت هيلاري كلنتن مفضلتي، إنما جرت الرياح بما لم أشتهيه.. ولكن: قرر الشعب.. وما شاء حصل!