الرأي

الملائكة والشياطين!

أحمد الهلالي
لا تزال أرواحنا تفيض بعبق كلمات الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ حين خرج من مقصورة سيارته، ووقف بشموخ الجبال ينهى مرافقيه والفريق الأمني عن دفع الناس عن طريقه، قائلا: (لا تدف أحد.. يا هيه.. شوي شوي)، وعلى النقيض من النور، يهجع الظلام على ذواكرنا ببؤس مقولة مرافق وزير الصحة (الوزير ما هو شمسٍ شارزه)، ولا تزال أبصارنا متخمة بسواد صفعة (الطبيشي) للمصور على الهواء مباشرة في استقبال الملك سلمان لملك المغرب، ما صوّب الحزم السلماني تجاههما؛ فقرر ـ يحفظه الله ـ إعفاءهما من منصبيهما حالا. هذه المواقف المعروفة، انتشرت بشكل واسع بين الناس من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وأجزم أن في ذواكركم أضعافها عن مسؤولين متواضعين جدا، يهشون ويبشون في وجوه الناس، لا يتسرب التجهم إلى أرواحهم ولا يبرق على وجوههم، لكنه يتبرج على وجوه مرافقيهم أو مدراء مكاتبهم (للأسف)، ويذهب ظني إلى أن المسؤول حين يستكبر أحيانا، فلا يكون ذلك من تلقاء نفسه، بل أعزوه إلى (تلقين مرافقيه) وشحنه بالرسائل السلبية تجاه الجمهور، ومظاهر (الهيبة والبرستيج) المفتراة. لدينا مشكلة حقيقية في معظم مرافقي المسؤولين ومدراء مكاتبهم، وهذه المشكلة تجعلنا إزاء مسارين للتفكير، المسار الأول: أنهم يعوضون بالكبر عن النقص الموغل في أعماقهم، فيتذرعون بمكانة المسؤول وأهميته ليشعروا بأهميتهم في الحياة، ولم يجدوا طريقة للتعبير عن ذواتهم المهشمة والمهمشة إلا وعورة (التعالي) الأجوف، أما المسار الثاني: فهو أعمق بقليل، وربما تكون للشيطان (يدٌ غبراء فيه) حين تأخذ بخطى أفكارنا، فنظن (ظنا أغبر) أن المسؤول ـ ذاته ـ متصنع، يحاول أن يصور نفسه (ملاكا)، فيعمد إلى خلق مجموعة من (الشياطين) حوله. لكن دعونا من (وسوسة) المسار الثاني، ولنبق في الأول، وأهمية أن يختار المسؤول مرافقيه بعناية من المؤهلين المشهود لهم بالخلق والخصائص النفسية السوية، فالمسؤول لا يُعذر بانشغاله عن معرفة أحوال المحيطين به، ومن رأى في خلقه (أمتا) فعليه تقويمه بالتوجيه، أو بالدورات التأهيلية وفنون التعامل مع الجمهور، وإن لم ينصلح، فاستبداله اتقاء السوء ضرورة ملحة؛ فالشخصية المعاقة (نفسيا) ستتسبب في تشويه الكثير من الجمال، الذي ينفق المسؤول وقته وجهده في صناعته. أما المسؤول المتجهم، فلا يمسنّه أحد بسوء، فتجهمه يكفي لإسقاطه من قلوب الناس، ولن يحفل به الكرسي؛ لأن كراسي خدمة الوطن والمواطنين تأنف أن يطول عليها جلوس المتعالين المتجهمين. alhelali.a@makkahnp.com