تطبيق الإنسانيات في العمارة
الجمعة / 25 / صفر / 1438 هـ - 19:00 - الجمعة 25 نوفمبر 2016 19:00
منذ فجر التاريخ كان الإنسان يبحث عن مهجع يأوي إليه، سواء كان كهفا أو وسط تجمع بعض الأدغال أو حتى خلف تل رمال.
وكان الإنسان البدائي لا يتمكن من تغيير مسكنه، وتضبيطه حسب ما يشتهي، ولكنه يحاول التأقلم في حفرة هنا، ونقرة هناك، وحدبة هنا.
وبتطور الإنسان أصبح يبني مساكنه بنفسه، من الصخور، أو الطين، أو الخيام، والعشش، موظفا إنسانيته فيها، فيختار الجدران المناسبة لحريته، التي يحلم بها، والسقف والنافذة والباب بالزوايا والارتفاعات المناسبة لحماية نفسه ومن يسكن معه، ولمساعدته في الحصول على الهواء، والشمس، والحماية من الأمطار والريح.
وتمر العصور، وتبنى أروع المباني، المشتملة على الكثير من الخصائص الإنسانية لساكنيها، فرأينا آثار مباني بعض الحضارات القديمة الممثلة لطبيعة الفكر الإنساني الطاغي في حينها، كأن نجد بعض المنازل تبنى لحفظ القبور، والتي تحمل معاني روحية، وقيما تناسب تلك العصور، لحفظ الأجساد وما معها من نفائس، في حرز من اللصوص.
وفي عصرنا الحالي، أصبح هذا علما هندسيا يدرس لطلاب كليات الهندسة، لأهميته الفائقة، فالإنسان له حق اختيار أين يعيش وأين يعمل بطريقته الإنسانية، واضعا لمساته على جميع الزوايا والفراغات.
وفيها يطلب المهندس من الشخص الراغب في بناء منزل العمر أن يسمح له بدخول تفاصيل حياته، وربما الالتقاء بجميع أفراد الأسرة، ليفهم من كل شخص منهم ماذا يريد من المنزل الجديد، فمن المؤكد أن لكل منهم تطلعا، ومناطق راحة، تزيد سعادته في البيت الجديد.
الزوجة تريد مطبخا يفي بتطلعاتها، وتريد غرفة معيشة سهلة التنظيف، تجمع فيها أفراد أسرتها، وتريد غرفة نوم تهرب فيها من المطبخ، ومن مناطق الضيوف، ومن الإزعاج.
الزوج يريد مكان قراءة وعمل، ومكانا يستقبل فيه ضيوفه، ودون اختراق لخصوصيات البيت.
لقد تجاوز الكثير منا مراحل الإعجاب ببيت آخر، يطلبون تقليده، فجعلونا نرى بيوتا تشبههم، من الداخل والخارج.
والمجتمع السعودي يختلف تكوينيا عن المجتمعات الأخرى، مما يجعل المهندس يضطر للتبحر أكثر، ومعرفة المعلومات الأشمل والأدق، فربما يسكن أحدهم مع والديه، أو مع أحدهما مما يستلزم الكثير من التعديلات في مخطط البيت المستقبلي.
وربما أن أحدهم متزوج من زوجتين أو أكثر، فيحتاج إلى نظرات إنسانية أكثر تبحرا في طبيعة وتطلعات سكان البيت فردا فردا.
وكون البيت يبنى وبه مطلقة أو عانس أو أرملة، أو فيه معاق يحتاج أيضا للكثير من تلك المعلومات الإنسانية.
المهندس هنا ليس فقط مسقطا لخرسانات الجدران والأسقف، ولكنه إنسان ينظر بنظرة المشرف الاجتماعي، وبأعين الشيوخ، ومتطلبات الشباب، وبأحلام الطفل، إلى كل التفاصيل، حتى يتمكن من إنتاج منزل يرتاح فيه الجميع، فلا يشعرون بأنهم يسكنون كهفا لم يختاروا تجاويفه، وليس لهم القدرة على تبديل أركانه وزواياه.
وعلم أنسنة المباني يرمي إلى:
1. فهم السلوك الإنساني، وكيف يحدث التأثير التبادلي بينه وبين البيئة المبنية.
2. معرفة أنماط السلوك الإنساني المتعلقة بالمباني: تكوين الصداقات، والمجموعات، الحيازة، وما عداها.
3. القدرة على ملاحظة السلوكيات الإنسانية وتحليلها واكتساب مهارات البحث العلمي السلوكي.
وطبعا كلامي هنا ليس موجها لوزارة الإسكان، حينما تنتج لنا بيوتا ندفن فيها.
shaher.a@makkahnp.com