الرأي

اكتفاء ذاتي من المشاعر!

يصير خير

محمد حدادي
سألت أحدهم: لماذا تهتمون برعي الماشية على حساب زراعة الأرض؟! أجابني ببساطة: ليس انتقاصا من أمر الزراعة وأهميتها؛ إنما لمحدودية مواسمها، كون أرضنا ذات طبيعة قاسية وقاحلة! ونحن «بدو» يا صاحبي! وورثنا الأمر عن أجدادنا؛ فالزراعة «تقيدهم» عما ألفوه من حياة الترحال والانطلاق! قلت: لهذا السبب نجد اهتمام الشعراء: البدوي، من يسكن بيئة مدنية، والشاعر الذي تقتضي مهنته ركوب البحر، عادة الإسهاب في تصوير المرأة! فيما نجد نظراءهم من شعراء «السهل» المشتغلين بالزراعة أقل شغفا بهذا التصوير! فـ«الشاعر المزارع» شغفه بالأرض يجعله يرى فيها الملهمة فينقطع إليها! لا يشعر بالتعب مطلقا رغم أخذها منه كامل جهده وطاقته! لا يشعر بمرور الوقت حتى! وهو لن يعدم مكافأتها إياه بثمارها؛ ومنحه نشوة عطر أزهارها وورودها دون تمنع! يراها أما، ليس لأنها تمنحه كفايته من الغذاء وتضمن له شعورا داخليا بالأمان والسكينة وحسب، وإنما لكونها كائنا حيا لا يهرم! «يعتاش» من محاصيلها دون أن تحدد له «سن فطام» معينة! وتظل أبد الدهر تعطيه من بركاتها دون حدود! وفيما يرتضي هذا الإنسان/ الشاعر من الأرض عاطفتها «الأمومية» فإنه يتقبل في ذات الوقت فكرة احتياجها لعاطفته «الأبوية»! حاجتها لعنايته في منحها تنفسا طبيعيا بإعادة حرثها؛ وتزويدها بالعناصر الغذائية التي تحتاجها وسقايتها بانتظام؛ تحتاج لرعاية بإزالة الحشائش الضارة عنها ومكافحة الآفات فيها. إنها باختصار الولد البار الذي ليس بحاجة للعقاب أو التوبيخ! ولذا نجد «الشاعر المزارع» أكثر توازنا في شغفه التصويري بالمرأة من نظرائه الشعراء الثلاثة السابق ذكرهم، لانقطاع عاطفته لمن تبادله مشاعرها الصادقة فعليا وهي الأرض! لواعج الشوق تبدو أخف عليه أيضا لتحقق الأمان النفسي الذي أخذه من «سكون حقله»، خلافا لشاعر البادية وشاعر البحر اللذين تقتضي حياتهما البعد والترحال في بيئتين خطرتين قاسيتين ومتحركتين على الدوام هما: البحر والصحراء! وثالثهما «شاعر المدينة» الراغب في الانعتاق من صخب المدن المتعارض وحسه الفني المرهف، لذا يجد عزاءه في تصوير المرأة بأشعاره والهرب منها وإليها بذات الوقت! وختاما قد يقول قائل: ما الفائدة من مقالك التحليلي هذا؟! وأجيب بأن «الرؤية» يجب أن تصل للعواطف لضمان الوصول لاكتفاء ذاتي ومتوازن من «المشاعر»!! haddadi.m@makkahnp.com