الشعبويون الجدد
الثلاثاء / 22 / صفر / 1438 هـ - 19:15 - الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 19:15
كانوا يتسمون بالحذاقة والأناقة في القول والمظهر، يترفعون عن الزلل ويخالطون النخب، وإن جلسوا بين الجماهير تمظهروا بثقافتهم وعلمهم الذي لا ينضب، جسدوا لنا كم هم قدوة وقادة مجتمع، وكم هم أعلام معرفة، كل ذلك كانوا يصورونه لنا حتى كشفت برامج التواصل الاجتماعي فكرهم وإلى أين بعلمهم يذهبون!
كانوا عطشى علم، عطشى ثقافة، ولهفهم بالانفتاح لا يكاد يوصف، واليوم هم عطشى جماهير، أنزلهم شغف الهتاف وصخب التصفيق لأن يكونوا شعبويين بين النخب وسفهاء بين الشعبويين!
يتساءل الفرد البسيط كيف لـ «شخص نخبوي» أن ينزل لخطاب الشارع ويزاحم منطقه غير آبه لكونه أحد النخب الذين يقع على عاتقهم قيادة مجتمعاتهم وليس انقيادهم لشعبويتهم أحيانا!
عزيزي المتعجب سأجيبك لماذا ينزل بعض «النخب» ويتنازلون عن نخبويتهم؛ لأنهم ارتكزوا على مبادئ مهزوزة، فكان إعجاب الناس بهم غاية أغفلت إدراكهم، وأن يحصدوا لفت الأنظار هدف جلل أنساهم كيف صعدوا ومن يكونون وكيف سيصبحون!
نكاد نكون اليوم أمام ظاهرة مآلها كارثي إذا لم يستدرك المعنيون ذلك، إذا لم يقدروا أن المجتمع بحاجة لمفكرين يوجهونه وليس لمن تسيرهم موجاته، ولمن تغيرهم حدته ويثبطهم انغلاقه، فمن لا يجدف حيث مبادئه وحتى ترسو أفكاره ورؤاه لمجتمع متنور متقدم واسع الأفق ومتقبل للاختلاف لن يكون جديرا لأن يتربع بين نخب مجتمعه، وسيكون انزلاقه محل أسف شديد فلا المجتمع سيعول عليه ولا النخبويون سيرونه يوما أهلا لأن يواكبهم من جديد!
أعزائي القراء لكم في أبطال مجتمعكم خير برهان، عبدالكريم الجهيمان على سبيل الإنارة دعا لتعليم المرأة وسط مجتمع ضيق الأفق «في حينه» قليل المعرفة لا يرى في أمية المرأة إلا أصلا، وغير ذلك عيب مؤصل عرفيا، إنه أحد النخب الذين صدموا ظلام الجهل بنور ثقافتهم، فما كان إلا للنور أن ينبثق وللظلام أن ينجلي، ولنا في همة الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز «رحمه الله» خير إنارة أيضا حين أمل بمجتمع سلاحه العلم ومبدؤه الاحترام والحوار والانفتاح على الآخر، فأرسى مشروعه الحضاري المتمحور حول تنمية المواطن تعليميا ففتح باب الابتعاث على مصراعيه لأبناء الوطن ليتلقوا العلم ويحتكوا بالثقافات الأخرى وسط امتعاض بعض فئات المجتمع، إلا أنه آمن رحمه الله كم أن التجديف ضد حدتهم سيأتي بهم يوما ليجدفوا معه، حيث رأى أن العلم فضيلة وهدف!
تنوير المجتمعات يبدأ من النخبويين فإن انزلقوا ظلت المجتمعات تكابد الجهل وتدور في فلكه، ولا تعرف للانفتاح منفذا فيكون بقاؤها في بوتقة الرجعية أمرا مسلما به طالما كان الشعبويون قادة يشكلون أعلام الثقافة حيث رأوا ويـ»هشتقونهم» حيث سار بهم مزاجهم ليتوجوهم من نخبويي الأمس إلى «الشعبويين الجدد» والأسى كل الأسى إن كانوا بذلك فرحين برصيدهم الجماهيري على حساب ذاك البناء من الرصيد الثقافي!