الرأي

حول مفردة (التغريب)!

وحيد الغامدي
ولا تزال مكارثية (التغريب) فعالة في مقاومة أشكال التغيير الزمني أو التجديد الثقافي أو الوعي الحقوقي والإنساني. تصبح المفردة حينها فوبيا ثقافية يمكن إشهارها تجاه أي شكل من أشكال المقتضيات الزمنية أو الإنسانية، وذلك باستحضار منطق (الهوية)، وهو منطق إنشائي فضفاض يحضر في غياب النص الشرعي الصريح الدال على الحالة المرادة، والذي تستند إليه عادة منظومة الممانعة والتحفظ، فيكون الحديث عن الهوية بديلا عن النص الشرعي، وبذلك يتسع مجال المناورة لأبعد مدى ممكن من المزايدة العشوائية المضرة. بقليل من التناول التشريحي للمفردة سنجد الآتي: ـ ما وصل إليه العالم اليوم في المجالات الإنسانية والحقوقية المتنوعة ليس خاصا بالغرب وحده، بل هي منجزات (بشرية) وصل إليها الغرب مثلما وصل إليها الشرق الأقصى، وفي نفس الفترة أيضا. كما أن الغرب نفسه لم يصل إلى تلك المنجزات إلا بعد سنين طويلة من التجربة والمعاناة، مما يعني أنها تجارب إنسانية تراكمية عالمية، وليست غربية فقط. وبالتالي فعبارة (الحضارة الغربية) في تصوري ليست دقيقة، والصحيح أنها (الحضارة المعاصرة). ـ المفردة نفسها تحمل معاني (انهزامية) مضمرة، حيث إن ذاكرتنا تحمل قائمة من المحظورات كانت تشكل صيغ التغريب ووسائله، فمدارس البنات وتدريس الجغرافيا والحساب وغيره كانت من أشكال التغريب قبل عقود، ثم ما لبث الناس أن كسروا حاجز الممانعة، ولا يزالون يكسرونه في كل حقبة زمنية، وبالتالي فكثرة استحضار منطق الهوية بذلك الشكل العشوائي، وابتكار (خصوصية) متخيلة بتلك الصورة الضيقة، كل ذلك سيكون مضرا جدا على الوعي بالهوية في أذهان الأجيال، وبالتالي خلق الشعور بالانهزام في كل حقبة زمنية، وهكذا كلما تم استهلاك هذه الاستراتيجية الوحيدة في مقاومة التغيير. الدكتور محمد الحضيف، وهو أحد رموز هذه المكارثية المفرطة، في حديث له عن التغريب يقول في سياق الحديث عن المنتديات والمؤتمرات التي تشارك فيها المرأة ويدور الحديث فيها عن حقوقها: «.. لم يناقش أي من هذه التظاهرات أو المنتديات، المشاكل الحقيقية للمرأة السعودية. هناك مشاكل طلاق، وعضل، وتعد على الميراث، وتعليق للمرأة، وحرمانها من حقها في حضانتها لأطفالها، وغمط لكثير من حقوقها التي كفلتها لها الشريعة. هناك أرامل ومطلقات أذلهن الفقر، ليست من اهتمام هذه التظاهرات والمنتديات..». والسؤال الآن: أليست هذه المشكلات التي تحدث عنها الدكتور هي نفسها مشكلاتنا التي منبعها إما أدوات القضاء (الشرعي) لدينا وآلياته التي هي بحاجة إلى تجديد وتغيير لتواكب الزمن، وإما ثقافة اجتماعية قائمة يأتي الوعي التنويري اليوم ليضيء دهاليزها وزواياها؟ أليس كل حديث عن إصلاح الثقافة القائمة أو الأدوات القضائية يدفع باستحضار نفس شماعة التغريب؟ ولكن لو تجاوزنا هذا، فهل هذه هي (الخصوصية) التي يراد المحافظة عليها؟ هل الغاية هي أن تكون مشكلاتنا وظواهرنا الحقوقية المؤسفة هي ما يميزنا حتى لا ننزلق فيما انزلقت فيه كل شعوب الأرض من اعتماد القوانين والأنظمة التي تحمي النساء والأطفال، وتحمي التعايش والحياة المدنية العامة، وبذلك نحافظ على منطق الهوية؟ وهل هذه هي الهوية؟ ومنذ متى كانت (الهوية) تعني: الانحياز التام للذات بكل ما فيها، والعزلة تماما عن العالم؟ waheed@makkahnp.com