تعليمنا والسير واقفا!
الجمعة / 18 / صفر / 1438 هـ - 19:00 - الجمعة 18 نوفمبر 2016 19:00
يعود ابني من مدرسته الأمريكية كل يوم برواية قصيرة لا تتعدى صفحاتها عدد أصابع اليد الواحدة، تلك الروايات تأتي دائما مرمزة بحرف على جانبها يشير إلى أنها تقع بمستوى صفه الدراسي قرائيا من ناحية نوع الكلمات المستخدمة وصعوبة التراكيب اللغوية، حيث إن كل الروايات المخصصة لطلاب المدارس هنا تأتي مرمزة بحروف يدل كل منها على مناسبتها لطلاب صف دراسي معين، وهو نظام موحد على كل المكتبات العامة والخاصة.
بعد أن يقرأ ابني الرواية يقوم بالإجابة على عدة أسئلة مرفقة، تتمحور حول شخصيات وأحداث الرواية التي هي في الأغلب تعزز قيمة مجتمعية أو تناقش قضية من القضايا المدرسية، كالتنفير من سلوكيات التنمر على الآخرين، أو تشجيع التعاون واحترام الآخرين، بعد ذلك تكون خاتمة هذا الواجب المنزلي كتابة رأيه عما قرأه في ورقة باستخدام ثلاث إلى خمس جمل على الأكثر. بالمناسبة ابني لا يزال في الصف الأول الابتدائي!
في مدرسة أخرى تبدأ معلمة الصف السادس السنة الدراسية بنقاش مع طلابها حول اختيار عدد من الروايات التي سيقرؤونها خلال تلك السنة، طوال تلك السنة الدراسية يقوم الطلاب بالقراءة كل أسبوع لعدة أجزاء من الروايات المختارة، بحيث ينتهون من قراءتها كلها مع نهاية السنة. تلك القراءة الأسبوعية تكون مصحوبة بعدة نشاطات، كدراسة الكلمات والتراكيب اللغوية المستخدمة، وتصنيف وتحليل شخصيات الرواية، وكتابة أوراق بحثية مصغرة يتم فيها ربط أحداث ومشكلات الرواية مع أحداث ومشكلات من واقع حياة الطالب أو مجتمعه، كما قد يتم أحيانا تمثيل لبعض أحداث القصة في الفصل، بحيث يتقمص كل طالب شخصية من الشخصيات، ومن ثم يتعاونون لإعادة تمثيل ما قرؤوه!
كل ما سبق ليس خيالا، بل هو واقع يعيشه كل من زار المدارس في مجتمعات العالم الأول، حيث ينظر إلى المدارس هناك على أنها المصنع الذي يتم فيه بناء المنتج رقم واحد على مستوى الدولة، ذلك المنتج هو الإنسان الذي يتمتع بشخصية صحية تمتلك القدرة على التفكير والنقد والتمثيل الصحيح لقيم المجتمع وأفكاره. كل ذلك يتم باستخدام أداة التعليم النبوية التي أتت كأمر إلهي كريم بــ «اقرأ».
عندما تم توحيد هذا الوطن كانت الأمية تضرب بأطنابها في كل جزء من أجزائه، وكان الإنسان القادر على القراءة والكتابة سلعة نادرة في ذلك الوقت، لذلك كان السعي لتوفير سبل التعليم للجميع، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، وبما يشبه المعجزة تم القضاء على الأمية في مدة قياسية لا تتجاوز عشرات السنين، وهي مدة قصيرة بعمر الأمم.
القضاء على الأمية كان هدفا مشروعا في وقته، وقد أبلينا فيه البلاء الأفضل، لكن نحن اليوم نحتاج إلى رؤية جديدة لماهية وهدف التعليم في بلدنا، ماذا نريد من إرسال هؤلاء الأطفال إلى المدارس كل يوم؟ يقضي أبناؤنا ما يقارب الألف ساعة سنويا في تلك الفصول الدراسية، ألف ساعة من العمل المتواصل والشاق والمكلف لا بد أن يكون لها ما يوازيها من النتائج.
للأسف، عندما ننظر إلى مدارسنا اليوم نجد أن أصدق ما يمكن أن يطلق عليها قول المثل العربي «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا». لقد أصبح منجزنا السابق في القضاء على الأمية في خطر ونحن نرى كثيرا من الطلاب يغادرون مقاعد الدراسة وهم أكثر جهلا منهم عندما جلسوا عليها. لقد أصبح لدينا طلاب بمهارات قرائية وكتابية متدنية مع فقر شديد في مهارات النقاش والتفكير التحليلي، كذلك غني عن القول إن مدارسنا تقتل الإبداع ولا تنميه برتابتها وأساليب تعليمها التي تتخذ التلقين وسيلة التعليم المتفردة والأساسية.
في مجتمع يمثل من أعمارهم بين 15-20 ما يقارب 60% من تعداده يصبح ضرب أجراس التحذير واجبا وطنيا وإنسانيا. ولهذه المقالة ما بعدها.