بديل مترو جدة على طريقة العمدة البرازيلي
الجمعة / 18 / صفر / 1438 هـ - 19:00 - الجمعة 18 نوفمبر 2016 19:00
خلال العقود الماضية استعانت أنديتنا الكروية بالعشرات من المدربين والمدراء الفنيين لتدريب الفرق الكروية، وبالتالي ما تبعه من الاستغناء عنهم، حتى ضربنا الرقم القياسي في هذه الممارسة. النسبة الكبيرة من هؤلاء المدربين كانوا من القارة اللاتينية، غالبا كانت الأسباب لتشابه التكوينات البدنية وأسلوب اللعب والتفاهم وغيرها. أمريكا اللاتينية أنجبت أيضا عقولا فنية مميزة في تطوير وإدارة المدن، لا تقل في إبداعاتها عن تلك العقول الكروية.
مدينة كيوريتيبا في جنوب البرازيل نموذج مثالي لمدن العصر الحالي. هذه المدينة التي يربو عدد سكانها في منطقتها الحضرية على الثلاثة ملايين نسمة، تتميز بممارساتها وطريقة إدارتها التي تحقق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة. مدينة كيوريتيبا تنافس حاليا المدن الأوروبية وباقي مدن العالم الأول في أوجه التنافسية والتنمية. آخر الاستفتاءات المعتمدة أفادت أن 99% من سكان هذه المدينة راضون عنها.
تدين مدينة كيوريتيبا بالفضل لتطورها وتميزها خلال العقود الثلاثة الماضية إلى عمدة المدينة المعماري والمخطط جايمي ليرنر (العمدة منصب بالانتخاب يساوي منصب رئيس البلدية أو أمين مدينة ولكن بصلاحيات أكثر).
بصمات العمدة ليرنر على المدينة وضعها عندما كان عمدة لثلاث فترات متقطعة، وفترة واحدة كحاكم لولاية بيرانا التي تتبع لها مدينة كيوريتيبا.
في نهاية عقد السبعينات من القرن الميلادي الماضي إبان استلام ليرنر منصب العمدة، كانت كيورتيبيا في بداية نموها السكاني وعددهم حوالي الخمسين ألف نسمة.
كان العمدة ليرنر مطالبا بتوسعة الشوارع الرئيسية لفتح مجال لحركة السيارات المتزايدة، ولكن ليرنر من حينها قلب الطاولة. فقد قام عندها بتحويل أهم شارع بوسط المدينة إلى شارع كامل للمشاة.
ولم ينغمس ليرنر كباقي عمداء المدن في مسألة تنامي حركة السيارات داخل المدن، فقد قام بالعكس مما قامت به باقي المدن حول العالم. هذا التوجه من قبل ليرنر انعكس على باقي أوجه التطور بالمدينة وتحولها من مدينة بسيطة تعتمد على الزراعة إلى مدينة منتجة حتى صناعيا، فقد انعكست أفكاره ومشاريعه أيضا على إدارة النفايات وتطوير الحدائق وتنمية العشوائيات.
فكر العمدة ليرنر ارتكز على ثلاثة محاور: الهوية والاستدامة والتنوع. إلا أن المشروع الأهم للعمدة ليرنر في مدينة كيوريتيبا هو مشروع المواصلات العامة. كانت المدينة ترغب حينها في إقامة مشروع مترو للأنفاق في المحاور الرئيسية للمدينة.
درس ليرنر المشروع ورأى أن المشروع مكلف جدا وستتعطل الحركة بالمدينة، وسيظل الازدحام موجودا حتى بعد انتهاء المشروع، وستستمر هيمنة السيارات.
مشروع ليرنر باختصار كان باستبدال مشروع المترو بمشروع حافلات نقل عام قليل التوقف بطريقة إشعاعية من قلب المدينة وذلك على المحاور الرئيسية، مدعومة بشبكة ربط ثانوية دائرية لخدمة الأحياء وأخرى فرعية. تم توسيط خط الحافلات بالخط الأوسط للمحاور الرئيسية وإعطائها الأولوية، تليها مسارات للسيارات (خط أو اثنين فقط) كحركة فرعية.
اعتماد هذا المشروع وفر على المدينة ميزانية ضخمة وبفعالية أكبر. تم تقدير التوفير للتحول من المترو إلى نظام الحافلات بمقدار يصل إلى واحد من مئة من ميزانية مشروع المترو الأصلية.
ولا يزال نظام التنقل بالحافلات يستخدم إلى اليوم وبفعالية عالية وقدرة على نقل أكثر من 2,7 مليون راكب يوميا.
مثل هذا المشروع يجعلنا نعيد النظر في مشاريع المترو بمدينة جدة أو بمكة المكرمة، ونحن في زمن ترشيد الإنفاق العام وفترة التحولات، كمقترح لماذا لا تتحول مشاريع المترو إلى نظام مماثل للحافلات بالمدن المذكورة؟ فبالإضافة إلى التوفير المالي الأكيد والذي لا يحتاج إلى الكثير من الإثبات والبرهان، هناك مكتسبات أخرى كثيرة أهمها أن جدة ومكة المكرمة لا تحتملان حاليا كمية ازدحام السيارات وهدر المجهود والوقت في ساعات كبيرة من اليوم، فما بالكم بالمزيد من التعطل والازدحامات خلال تنفيذ مشاريع المترو وما يصحب ذلك من أعمال حفر وبناء وصب خرسانات وغيرها.. مجرد اقتراح.
بقي أن نذكر إحدى مقولات العمدة البرازيلي ليرنر: عند تخطيط المدينة، تعامل مع السيارة كأنها حماتك (والدة زوجتك)، إذا تركت لها المجال لتدير حياتك، فإنها ستدمرها!.