ومع كل ذلك فاز ترامب
الثلاثاء / 15 / صفر / 1438 هـ - 20:00 - الثلاثاء 15 نوفمبر 2016 20:00
دونالد ترامب، رجل أعمال، مقاول تحديدا، لم يسبق له أن عمل في أي منصب سياسي، أو حتى في أي منصب غير سياسي سوى إدارة شركاته. وحتى تعليمه الجامعي لم يكن في المجال السياسي. رجل فاحش الثراء، محب جدا للظهور. شارك في أدوار ثانوية في عدد من الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية، وظهر حتى في عروض المصارعة الحرة بأدوار خارجية استعراضية، وذلك كله ليس من أجل المال كما هو الحال مع الآخرين، وإنما ليشبع رغبته الجامحة وحاجته الملحة للظهور والشهرة.
تبلورت لديه فكرة دخول المعترك السياسي - سامح الله من زينها له وأقنعه بكفاءته - فدخل مجال السياسة، ليس من قاعدة الهرم كما يفعل كل خلق الله، وإنما بالهبوط على رأس الهرم كما هو تفكير دونالد ترامب وشخصيته، فكان نكتة المجتمع السياسي ومحل تندر العارفين والخبراء ممن أفنوا عمرهم في هذا المجال تخصصا وعملا وخبرة ودراية بمجاهيله وتعقيداته وشتى طرائقه.
كان طرحه سطحيا من بداية الانتخابات وحتى نهايتها. ركز بفكره العمالي المقاولاتي على حاجة العمال، وجعل المال هو المحور والمرتكز لكل ما يطرحه، وهو تماما الهم الأكبر والوحيد لهذه الفئة التي تجهل أي شيء وكل شيء غير شيك الأجر الأسبوعي، ومقدار الرصيد البنكي الضئيل، ومباراة البولنج مع الأصدقاء وزملاء العمل في نهاية الأسبوع. جاء طرحه مؤطرا بسمو العرق وغطرسة القوة وعنجهية التفوق الأمريكي، فتحدث عن بناء جدار عازل مع المكسيك وطرد العمالة الأجنبية وتهجير المسلمين، كونهم في اعتباره مصدر الإرهاب، ومنع أي مسلم من دخول أمريكا، وفرض مقابل على كل حلفاء أمريكا، بدءا بدول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وليس انتهاء بالسعودية ودول الخليج، مرورا بكوريا الجنوبية، بحجة أن أمريكا هي من تدعم هؤلاء الحلفاء وتسندهم وتدافع عنهم، وأن ذلك - بفكر المقاول - يجب ألا يكون بالمجان. لم تسلم من أطروحاته جميع الأقليات داخل أمريكا بكل طوائفها وفئاتها ومعتقداتها وأديانها وإثنياتها، فهاجمهم وتندر بهم، كونهم أسباب ضعف أمريكا وتراجع مكانتها وتدهور اقتصادها.
وجدت أطروحاته صدى لدى الطبقة العاملة في أمريكا، وتحديدا الواسب: البيض، الأنجلوساكسونيين، البروتستانت، وهم الطبقة الأكثر عددا، الأقل تعليما، والأشد تنعصرا. وبالمقابل لقيت أطروحاته تلك استهجانا واستنكارا من كل غير أولئك. رفضه أشد الجمهوريين انتماء وولاء للحزب من أهم الشخصيات السياسية كبوش الأب والابن وكولن باول وجون ماكين وكونداليزا رايس، ومن أشهر النجوم الجمهوريين كروبرت دي نيرو وجورج كلوني وريتشارد جيير وجوني ديب. هاجمته كل وسائل الإعلام الغربية، وسخر منه كل المحللين السياسيين، واستعاب منه كبار الساسة في العالم الغربي. وصفته صحف فرنسا بـ «المعتوه الأمريكي»، ووصمته الكاريكاتيرات الصحفية بأشنع الأوصاف، وشكل مادة دسمة لبرامج الكوميديا التلفزيونية.
لم يأبه دونالد ترامب بأحد، ولم يبد أي حياء من الله أو من خلْقه. تبجح أمام الجميع وأصدر أشنع الألفاظ وأقبحها وتمادى حتى في سلوكه. ظهرت فضائحه الواحدة تلو الأخرى من تسجيلات وفيديوهات مسربة تبين مدى استهتاره بأبسط القيم حتى بمقاييس أكثر فئات وشرائح المجتمع الأمريكي تفتحا.
ومع ذلك، مع كل ذلك، فاز دونالد ترامب. فاز بالأصوات الانتخابية، بينما حصدت منافسته هيلاري كلينتون الأصوات الفردية. فاز ترامب بكل سوآته بسبب سوآت هيلاري كلينتون، وسوآت النظام الانتخابي، وسوآت السياسة الأمريكية، وسوآت بعض فئات المجتمع الأمريكي ومفاهيمه وقناعاته. فاز ترامب ليس بتميزه، وإنما بسوء غيره.. وللحديث بقية.. ربما.
nmjuhani@makkahnp.com