ست نزهات في غابة السرد!

جولة أخرى حول السرد والوجود، يصحبنا فيها هذه المرة المفكر والناقد الموسوعي الإيطالي: «أمبرتو ايكو»، في كتابه الذي يختصر معظم أفكاره حول السرد: «ست نزهات في الغابة السردية»

جولة أخرى حول السرد والوجود، يصحبنا فيها هذه المرة المفكر والناقد الموسوعي الإيطالي: «أمبرتو ايكو»، في كتابه الذي يختصر معظم أفكاره حول السرد: «ست نزهات في الغابة السردية». والعالم السردي من وجهة نظر إيكو هو تحويل للعالم الواقعي وإدراكنا إياه. وإذا كان السرد تحويلا للعالم الحقيقي فإن هذا التحويل يتم في مستوى القراءة، ولذلك يركز ايكو في تناوله للسرد على القارئ، حيث يعد القارئ أحد مكونات القصة، وذلك يجعل موسوعة القارئ (خبراته ومعجمه اللغوي) المنطلق والإطار الذي ندور داخله في رحلة بحثنا عن معنى النص، ويضرب ايكو مثالا على ذلك بقراءة طفل مقطعا موجها للكبار. يحلل ايكو أنواعاً من النصوص بحسب نوع القارئ الذي تتطلبه، ويختار ايكو الغابة ممثلا للنوع السردي في اشتباكات دروبها ومداخلها، وهو يصف نوعين من الطرق داخل الغابة، فهناك طرق بسيطة تؤدي إلى نهاياتها ببساطة، وهناك طرق ملتفة تتطلب جهدا عقليا في اكتشاف اشتباكاتها ومداخلها الصحيحة، وهو يضع هذين النوعين من الطرق مثالين على نوعين من النصوص السردية: نوع يبحث فيه القارئ عن النهاية المباشرة، ونوع يحتجز القارئ في متاهاته الجمالية. ويذكرنا هذا التشبيه بمقارنة الروائي «ميلان كونديرا» بين الدرب والطريق، في روايته «الخلود»، حين جعل من السير في الدرب واكتشاف متاهاته هدفا بحد ذاته، وعلى العكس من ذلك، يكون الطريق مفضيا إلى نهاية مواتية ساذجة، لكن هذا الفرق قد لا يعود لنوع النص السردي وحده، بل قد يرجع الأمر لنوع القارئ، فقد ميز ايكو بين قارئ من الدرجة الأولى، يبحث عن معنى القصة المباشر، وقارئ من الدرجة الثانية يتجاوز القصة للخطاب (شكل القصة)، ويحاول تفكيك فعل التخطيب وفهمه. والدروب في الغابة السردية هي تعبير عن مختلف الاستراتيجيات النصية السردية التي يتجسد فيها المؤلف والقارئ النموذجيين (اللذين يقترحهما النص) بأنواعهما، تلك التي تتعلق بالأحداث والشخصيات، والزمن، والمكان، والصوت السارد.