التكتل الخليجي.. وخارطة الاقتصاد العالمي
الاحد / 13 / صفر / 1438 هـ - 19:45 - الاحد 13 نوفمبر 2016 19:45
لقد بدأت التكتلات الاقتصادية في العالم منذ عقود طويلة، حيث تقوم على إزالة جميع العقبات التي كانت تقف كتحد أمام التبادل التجاري بين مجموعة الدول المشتركة في التكتل، ويتم إزالة القيود الجمركية وغير الجمركية والعقبات التي تقف في طريق عناصر الإنتاج ورؤوس الأموال، ويشكل هذا التكتل منظومة اقتصادية متكاملة، ويتم عادة بين الدول المتقاربة في المصالح الاقتصادية، أو في الموقع الجغرافي، وهو يهدف لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية محددة تعود بالنفع على الدولة والتكتل الاقتصادي معا.
ورغم توفر كافة المقومات والعوامل بين دول الخليج ووصولها لمراحل متقدمة من التعاون والتشاور والتنسيق إلا أنها لم تصل إلى مرحلة التكتل الاقتصادي الذي يجعل منها واحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم، ولقد أثلج صدورنا ما طرحه سمو ولي ولي العهد، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عن أهمية التكتل الخليجي بهدف تعزيز الاقتصاد والتنمية، وذلك في أول اجتماع خليجي لمجالس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالرياض.
إن هذا التوجه الذي يقوده ويطرحه الأمير محمد بن سلمان مهم جدا ويأتي في وقت يمر فيه العالم بتقلبات، وخاصة أن هذا العصر يجمع ما بين التقلبات والتكتلات، وها نحن نرى تكتلات اقتصادية مرت عليها عدة عقود ولها مكانة كبيرة على المستوى الدولي، ومنها: الاتحاد الأوروبي الذي بدأ بمعاهدة باريس التي وقعت عام 1951 بين ست دول أوروبية ( فرنسا ــ ألمانيا الاتحادية ــ إيطاليا ــ هولندا ــ بلجيكا ــ لوكسمبورج ) وقد جاءت معاهدة ماستريخت عام 1991 بداية الطريق لإقامة الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي وقد انتهت عام 1992 بالتوقيع على معاهدة الاتحاد الأوروبي ودخل الاتحاد حيز التنفيذ عام 1993.
ومنظمة جنوب آسيا (الآسيان) من أهم التكتلات الاقتصادية في قارة آسيا، تم إنشاء المنظمة عام 1967 في مدينة بانكوك عاصمة تايلاند، وتضم الرابطة في عضويتها (ماليزيا ــ سنغافورة ــ إندونيسيا ــ فيتنام ــ سلطنة بروناي ــ لاوس ــ كمبوديا ــ تايلاند ــ الفلبين ــ بورما).
ومنظمة التعاون الاقتصادي (الإيكو): تأسست عام 1992 وتضم في عضويتها عشر دول (إيران ــ باكستان ــ تركيا ــ أذربيجان ــ تركمانستان ــ طاجاكستان ــ كازاخستان ــ أوزبكستان ــ أفغانستان)، وللمنظمة أهداف اقتصادية منها: بحث مشروعات التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، خلق المناخ المناسب لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية المفروضة على التجارة بين الدول الأعضاء, تطوير البرامج المشتركة لتطوير الموارد البشرية وتطوير التعاون الإقليمي في مجال مكافحة المخدرات، تدعيم الروابط الثقافية والحضارية.
منظمة شنجهاي تضم ست دول آسيوية: الصين الشعبية ــ روسيا الاتحادية ــ كازاخستان ــ قيرغيرستان ــ أوزبكستان، وتهدف المنظمة إلى تقوية الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء فيها، وخلق علاقات جوار وصداقة جيدة بين الدول المشاركة وتشجيع التعاون الفعال بين الدول المشاركة في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والزراعية وغيرها وبذل الجهود المشتركة لإحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
ومجموعة التعاون الاقتصادي لآسيا والهادي (إيبك)، ويعد هذا التكتل أكبر تكتل اقتصادي عالمي حتى الآن، ويظهر ذلك من الناتج المحلي الإجمالي لهذا التكتل، فحسب إحصائيات منظمة التجارة الدولية أن منظمة الإيبك تستحوذ على حوالي 55% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعلى حوالي نصف التجارة العالمية وعلى 38% من إجمالي سكان العالم. ويضم تكتل منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي «الإيبك» مجموعة من الدول الصناعية المتقدمة ومجموعة من الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، فهو يتكون حتى الآن من 18 دولة في عضويته، من قارات العالم المطلة على المحيط الهادي، فهو يضم كلا من (أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، الصين، هونج كونج، إندونيسيا، اليابان، جمهورية كوريا، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بابوا غينيا الجديدة، الفلبين، سنغافورة، تايوان، تايلاند، الولايات المتحدة الأمريكية).
في ظل هذه التكتلات الاقتصادية العملاقة نرى أن دول الخليج العربي لديها فرص عديدة للانطلاق نحو الأهداف المرجوة، وهي تحقيق النمو والازدهار، والحفاظ على ما تحقق من منجزات خلال العقود الماضية. تحقق لدول الخليج ازدهارا لافتا وملموسا في كافة مناحي الحياة، واليوم هناك فرص لتعزيز ذلك.
وقد قال الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لدى ترؤسه الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية الخليجية إن لدى دول مجلس التعاون فرصة كتكتل لأن تكون سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، إذا عملت بالشكل الصحيح خلال الأعوام المقبلة. وهذه الهيئة، التي قررت دول الخليج تأسيسها قبل أشهر، تكتسب أهمية كبيرة، وينتظر أن يكون عملها عامل دفع إلى الأمام.
إن هذا الطرح يتطلب رغبة وتحركا سريعا من قبل مجلس التعاون الخليجي لتكوين تكتل اقتصادي قوي يجعلها أكثر قوة ومكانة على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، من أهمها العوامل الجيوسياسية والاضطرابات في بعض الدول العربية والأطماع الإقليمية والأزمات الاقتصادية.
إن التكتل الاقتصادي الخليجي يجعل منها مفاوضا قويا وكتلة اقتصادية متميزة على خارطة الاقتصاديات العالمية، كما تستطيع دول الخليج تحقيق العديد من المكاسب التي تسهم في تنمية اقتصادياتها ومواجهة تحديات تراجع أسعار البترول، ومن بينها الدخول في اتفاقيات للتعاون المشترك مع منظمات ودول وتكتلات مما يعزز من اقتصادياتها، كما يسهم التكتل في توفير مناخ استثماري وتجاري وصناعي متميز يجذب رجال الأعمال من مختلف دول العالم كما يبعث الأمل في السوق الموحدة والشركات العملاقة، وتصبح دول الخليج وجهة اقتصادية مهمة في العالم، فليس أمامنا سوى التكامل والتكتل ليكون اقتصادنا الخليجي قويا.