أميمة الخميس
أميمة الخميس: لا يمكن مقاربة المشهد الثقافي في المملكة بمعزل عن بقية العناصر التي تشكل النسيج الاجتماعي من سياسة ودين واقتصاد وإرث تاريخي
الجمعة / 24 / ربيع الثاني / 1436 هـ - 15:30 - الجمعة 13 فبراير 2015 15:30
أميمة الخميس: لا يمكن مقاربة المشهد الثقافي في المملكة بمعزل عن بقية العناصر التي تشكل النسيج الاجتماعي من سياسة ودين واقتصاد وإرث تاريخي..أول كاتبة وروائية تشكل علامة فارقة في المشهد الروائي السعودي، ابنة الرياض ذات القلم الفياض، سعت لتخليص المرأة من جدران الماضي والتحليق في سماء المستقبل وتحريرها من الظروف الاجتماعية المحيطة بها، لتصنع لها هوية خاصة ومنفردة. استطاعت أن تكون رشيقة الحرف وسيدة اللغة، ترعرعت وسط أسرة واعية ومثقفة محبة للشعر والقراءة، فعشقت هذا الكيان وانطلقت منه كاتبة وأديبة من الطراز الأول، تملك وعيا وفكرا إنسانيا. اشتهرت برواياتها الأدبية وأعمالها المتميزة، شاركت في عدد من المهرجانات والندوات، وعملت في عدد من الصحف، صدر لها في الأدب 'الضلع حين استوى'، قصص قصيرة، 'أين يذهب الضوء الوارفة'، رواية، واستطاعت أن تترك بصمة واضحة في آخر أعمالها الروائية 'زيارة سجى'. 'مكة' ترصد حوار ثقافيا مع الكاتبة والروائية السعودية (أميمة عبدالله الخميس) عن روايتها 'زيارة سجى'. كيف ولدت باكورتك الأولى في الوعي؟ ومن كان الداعم لمسيرتك الإبداعية؟ حينما تغمس أصابعك في نهر الكتابة لا تكون قد أضمرت لون السمكة التي ستخرج، أو حددت تماما القوالب التي ستسكب فيها تلك اللواعج والصبوات والهمسات التي تصطخب داخل رأسك في زمن البدايات..هي تكون كذلك الانشطار التوالدي العجيب للخلايا التي تنقسم وتتكاثر فجأة وفق مشيئة غامضة وعصية على التأطير أو التفسير، فتكتفي عندها بتأملها والانصياع لمشيئتها، ولكن مع الوقت تبدأ البراءة تتخلى نوعا ما عن هذه الحالة الفطرية للكتابة، ويصبح فعل الكتابة يضمر الكثير من المكر والمرواغة.. كشرط وجودي للمغامرة. يلمس القارئ تأثرك الواضح بأسلوب وطريقة بناء الرواية بـ (إيزابيل الليندي)؟ تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه، فهذه المبدعة الرقيقة القادمة من تشيلي، إحدى دول العالم الثالث حيث الحروب والصراعات ومواقع النساء المتأخرة.. إيزابيل الليندي لطالما أدهشتني، لكن الكتابة النسوية عموما تمتلك مشتركا يستنطق جميع الصمت والخرس النسوي التاريخي المتواري في الظل، ويحوله إلى أسطر مفعمة بالضوء، وأكسير يحول المعدن الخسيس إلى ثمين. لماذا اخترت اسم 'سجى' تحديدا في الرواية؟ هل كان مصادفة أم إنها شخصية حقيقية؟ 'سجى' في اللغة العربية هو سكون الليل وشدة حلكته، وهو ترميز عن المضمر الموارب، عن تلك الفراغات الموجودة في النص التاريخي، وتحتاج إلى أن نعيد ملأها بحكايات الصامتين والمهمشين الذين لم يكن لهم حيز فوق خشبة مسرح الدراما الكونية. كيف نجوتي من الإطالة في روايتك السردية؟ وكيف تصفين رحلتك في كتابتها، مع العلم أنك لم تتجاوزي مجتمع الرياض، أي كانت محصورة؟ لم أكن أفكر بالإطالة أو الاختصار..للرواية نبض داخلي يشبه التكون الجنيني داخل الرحم، فهناك أطوار ومنازل لابد أن تمر بها الرواية حتى تصل تمامها وتدلف بوابة المخاض، صوت خطواتها من السطر الأول خفي خافت لابد أن ينصت له الكاتب بأناة واحترافية، كي يحدد متى باستطاعته أن يدحرج النقطة السوداء العملاقة آخر النص، والتي تعلن نهايته. حدثينا عن حياة الأجيال من النساء في روايتك ولِمَ لعبت المرأة دورا كبيرا في بناء الرواية؟ أذكر أنني قلت في لقاء صحفي يوما ما إن (السرد أرض أنثوية)، أي إن الحكاية هي مفتاح توظفه المرأة للسيطرة على حياتها بطريقة مراوغة وذكية، فهي تحكي الحكاية لكي تفهم العالم حولها وتجعله أكثر رأفة بها، كي تمرر رسائلها المواربة غير الصادمة لمن حولها، وتنسج الحكاية كي تملأها بأحلامها وهواجسها السرية..تحكي الحكاية كي ينام الصغار وقد عرفوا جزءا من الأسرار.. وتحكي الحكاية كي تلتقي بصوتها ووعيها في كتاب التاريخ الذي احتله الذكور بأخبار فتوحاتهم ومعاركهم ...وهي أخيرا تحكي الحكاية كعلامات طريق تنثرها على دربها لتعرف من أين أتت وإلى أين تتجه. وفي رواية 'زيارة سجى' حرصت على تعدد الأصوات والرواة، فالشخصيات كانوا يروون جميعهم الحكاية ذاتها، لكن وفق منظور مختلف، وكنت أريد هنا أن أمرر رسالة مواربة للقارئ أخبره فيها كم هي الحقيقة هشة ونسبية ومتفاوتة بحسب منظور الرؤية، وأنه من المستحيل أن توجد حقيقة ثابتة وقطعية. تفوقتِ في تصوير المرأة في مختلف الأدوار..ما هي الرسالة التي تودين إيصالها؟ الصمت والصوت المنخفض الموارب هو نصيب النساء من الكلام، وتجاربهن الوجودية الكبرى كالأمومة مثلا كانت مغفلة ومقصاة على الرغم من تعددها وثرائها الوجداني والعاطفي الذي كان من الممكن أن يمنح الأدب آفاقا لا متناهية، لذا تسليط الضوء على هذه التجربة من شأنه أن يستعيد المرأة من الهامش إلى النص الرسمي. ذكرتِ في أحد اللقاءات أنك خاتلت اليقين في روايتك سجى، وعتبت على الحقيقة المطلقة.. ما هي وجهة نظرك، أو ما معنى هذه العبارة؟ هذا ما أشرت إليه بخصوص تعدد الرواة ونسبية الحقيقة، لأن الحقيقة الأحادية المطلقة هي سبب الشرور في العالم، وهي مشعلة الفتن والحروب الدينية. والحقيقة الأحادية المطلقة هي قوالب صخرية تقولب الأجنحة وتمنعها عن التحليق في سماوات الإبداع، لذا من هنا حاولت أن أخاتل الحقيقة وأشاغبها وأضعها أمام مرآة تكشف أن للعالم حقائق لا متناهية. هل يمكن تحويل النصوص الأدبية إلى لغة سينمائية؟ وما أهمية اللغة بالنسبة لك كروائية؟ بالتأكيد يمكن ذلك، لكن بكثير من الحذر، لأن الأدب والسينما يتحدثان لغتين مختلفتين، الأولى تعتمد على الصورة وجاذبيتها وسحرها، وهي أكثر استحواذا على العقول، تبعا لنظرية بسيطة.. 'أنا أشاهد فأصدق'، والثانية تعتمد على حقول المخيلة، حيث يصبح القارئ طرفا ثالثا مع الأبطال والكاتب. وهناك تجارب ناجحة قرأتها كروايات ولم تفقد جاذبيتها كأفلام، كرواية العطر والحب في زمن الكوليرا، وحياة باي..والأخيرة هي الرواية الأعجوبة التي نالت كرواية جائزة البوكر، وكفيلم جائزة الأوسكار. ما هو مفهوم 'الماوراء' في الرواية أو 'الميتافكشن'.. هل لك أن تفسري أكثر؟ هذا المصطلح النقدي أتى في سياق قراءة د. سعد البازعي لرواية 'زيارة سجى'، حيث أشار إلى أن فن'الميتا فكشن' هو توظيف الماورائيات، وعوالم الخيال والمخلوقات الخارقة والحوادث العجائبية في النص الأدبي بهدف إضفاء المزيد من السحر والدهشة، والغوص عميقا في طيات الحكاية التي لا تكتفي بالواجهة الأحادية للواقع، وهو تعبير نقدي يقترب من الواقعية السحرية. وأنا أجد أن عوالم الخرافة والسحر والخوارق والغيبيات مكون رئيس في ثقافتنا، وإحدى أبرز سماته، لذا من المستحيل أن نغض الطرف عنها ونتجاهلها، وعملية توظيفها إبداعيا هو استثمار في ثراء الفلكلور الشعبي لدينا.. الزاخر بهذا النوع من الحكايات والمعتقدات. لما انحزتِ في كتابة روايتك إلى تصوير مسيرتك العائلية وأزماتها، وهو ما كان بارزا ومتجليا في رواياتك السابقة؟ لا أستطيع أن أسلم بهذا الانحياز.. ودائما الروائي متهم بأن روايته الأولى هي شبه سيرة ذاتية، عندها يصبح الروائي هو الجد الأكبر وينقب القراء عن ملامحه في وجوه أحفاده أو سلالته أو شخصياته. ولا نستطيع أن نسلم بهذه المقولة على الإطلاق، لأننا عندها سوف نلغي الصنعة والخيال والحرفية المهنية، وفن نحت الشخصيات ودفع الأحداث، وحياكة خيوط السرد قد يكون محيطي قد أعطاني الإطار العام وبعض التفاصيل، ولكن لابد ليد الصنعة أن تترك بصمة. كانت روايتك سجى نقلة كبيرة وموفقة في مسيرتك..ماذا عن القادم؟ سعيدة بسماع هذا، لأن العمل الروائي لابد أن يشكل تراكما إبداعيا لمسيرة الكاتب، وإلا وقع الروائي في التكرار والاجترار. برأيك ما المأزق الأكبر والأخطر الذي قد تواجه الرواية السردية السعودية؟ على الرغم من كل المنجز الرائع للرواية السعودية أعتقد أننا ما زلنا في مراحل مبكرة من عمرها لنحدد، ولم نكون تقاليد نقدية وذائقة أدبية كبرى تمنحها شعبيتها وانتشارها بين جميع فئات القراء، وبالتالي لا بد من تأصيل هذا الفن بين مثلث القارئ والناقد والمبدع نفسه. ما أبرز هموم ومعوقات النساء السعوديات الروائيات برأيك؟ ظلت النساء مقصيات عن فعل البوح والكشف والكتابة عبر التاريخ، لذا ولوجهن مجلس الرجال الكبير يتطلب نوعا من المشاكسة والرغبة في المغامرة وتحريك الأشياء من أماكنها التقليدية، ولاسيما أن المرأة لا تمتلك استقلاليتها وفردانيتها، فهي تترجم دوما كوجه لحزمة من الذكور حولها..ومن هنا تبرز التحديات. ما رأيك في الكاتبات السعوديات أمثال رجاء عالم، وزينب حفني.. وكيف تصنفين نفسك بينهن كأديبة وروائية؟ مع الأسف لا أمتلك خيمة النابغة الذبياني الحمراء التي كان ينصبها وسط سوق عكاظ فيقصدها الشعراء ليرون أيهم أشعر، ولكن الرواية النسائية المحلية الآن بلا شك باتت من أبرز ملامح المشهد الأدبي. من هي الشخصية الروائية التي كان لها الدور الأكبر في إثراء مخيلة أميمة الخميس؟ وما هي الرواية التي حلمت أن تكوني كاتبتها يوما ما، أو تمثل لك رمزا حياتيا؟ لا أستطيع أن أحدد، فهم كثر أولئك الذين خالطوا بواكير الوعي والصبا وبات ذلك جزءا مني .. فهناك 'سكارلت أوهارا' في رواية 'ذهب مع الريح'، وهناك أزميرالدا في رواية 'أحدب نوتردام'، زوربا في 'زوربا اليوناني'، كلارا لاروسا في 'بيت الأرواح' لايزابيل الليندي، الطبيب المحملجي في رواية 'مدن الملح' لعبدالرحمن منيف. هل ترين أن مواقع التواصل والوسائط الالكترونية ساهمت بشكل أو بآخر بأن تكون متنفسا للمرأة السعودية والأديبة على وجه الخصوص؟ وهل منحتها مساحة من حرية التعبير؟ بالتأكيد اتسع المضمار، وارتفع صهيل الفرس، وحتما الزمن دائما يخضع لصيرورته المتبدلة المتغيرة المنطلقة دوما إلى المستقبل كشهاب مجنون. كيف ترى أميمة المشهد الثقافي في المملكة بشكل عام؟ هناك عملية حراك وتحولات كبرى، ولاسيما مع وجود المؤسسات الثقافية التي تحاول أن تحرك الماء الراكد بين الفينة والأخرى وتقلق ركود الأسئلة..على كل حال لا يمكن مقاربة المشهد الثقافي بمعزل عن بقية العناصر التي تشكل النسيج الاجتماعي من سياسة ودين واقتصاد وإرث تاريخي للمنطقة. الحرية في الأدب بمفهومها المطلق.. ماذا تعني لك تحديدا، مثل المحرمات، والسياسة، والجنس، والدين... إلخ، وهل تطرقتِ لأي منهما في رواياتك السابقة..الحرية ككرة النار الملتهبة لابد من مقاربتها بحرص ودربة ومسؤولية، لأننا إذا استهنا بها ولوحانا بها بحمق وعشوائية دخلنا عصر الفوضى. القارئ يلاحظ أن الأنثى تدخل بعنصرية واضحة وتحدٍ صارخ تجاه العنصر الذكوري..هل تتفقين معه بالرأي؟ لا أدري، لكن القارئ الذي اعتاد على النبرة الرجولية الطاغية في النصوص الأدبية لربما تباغته بل وتزعجه من تختطف مكبر الصوت وتسرد قصتها الخاصة التي لا تشبه نمطية القصص القائمة على بطولات الفروسية الذكورية والتي كان يطربه سماعها في السابق. هل المرأة ما زالت تقبع تحت الظل مستترة خلف الجدران كما أسميتِها في حوار سابق لك، أم أنك تستطيعين القول إنها تحررت من قيودها بشكل أو بآخر؟ المفارقة ليس في أين تقبع هي، بل في عدد الجدران التي تبنى كل يوم. وأخيرا من بين رواياتك ما الأحب إليك؟ البحريات الفارهة الباذخة والتي أدارت الرؤوس لتجربتي، والوارفة الحيية لكن العنيدة والتي التي استحوذت على إعجاب النقاد..وأخيرا 'زيارة سجى' التي يقال إنها المغوية التي تباهي أخواتها باكتمال ونضج التجربة.